معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل - إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ؛ قيل: إنه أول مسجد وضع للناس؛ وقيل: إنه أول بيت وضع للحج؛ ويقال: إنه البيت المعمور؛ وإن الملائكة كانت تحجه من قبل آدم؛ وإنه البيت العتيق؛ فأما بناؤه فلا شك أن إبراهيم بناه؛ قال الله (تعالى): وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا ؛ أي: " يقولان: ربنا تقبل منا " . [ ص: 445 ] فأما المقدس فسليمان بناه؛ وخبر " إن " ؛ هو " للذي ببكة " ؛ وهذه لام التوكيد؛ وقيل: إن " بكة " ؛ موضع البيت؛ وسائر ما حوله مكة ؛ والإجماع أن " بكة " ؛ و " مكة " : الموضع الذي يحج الناس إليه؛ وهي البلدة؛ قال الله - عز وجل -: ببطن مكة ؛ وقال: للذي ببكة مباركا ؛ فأما اشتقاقه في اللغة؛ فيصلح أن يكون الاسم اشتق من " البك " ؛ وهو: بك الناس بعضهم بعضا في الطواف؛ أي: دفع بعضهم بعضا؛ وقيل: إنما سميت ب " بكة " ؛ لأنها تبك أعناق الجبابرة؛ ونصب " مباركا " ؛ على الحال؛ المعنى: الذي بمكة في حال بركته؛ وهدى للعالمين ؛ يجوز أن يكون " هدى للعالمين " ؛ في موضع " رفع " ؛ المعنى: وهو هدى للعالمين؛ فأما " مكة " ؛ بالميم؛ فتصلح أن يكون اشتقاقها كاشتقاق " بكة " ؛ والميم تبدل من الباء؛ يقال: " ضربة لازب؛ ولازم " ؛ ويصلح أن يكون الاشتقاق من قولهم: " امتك الفصيل ما في ضرع الناقة " ؛ إذا مص مصا شديدا؛ حتى لا يبقي فيه شيئا؛ فتكون سميت بذلك لشدة الازدحام فيها؛ والقول الأول - أعني البدل - أحسن؛ ومعنى " أول " ؛ في اللغة؛ على الحقيقة: ابتداء الشيء؛ فجائز أن يكون المبتدأ له آخر؛ وجائز ألا يكون له آخر؛ فالواحد أول العدد؛ والعدد غير متناه؛ ونعيم الجنة أول؛ وهو غير منقطع؛ وقولك: " هذا أول مال كسبته " ؛ جائز ألا يكون [ ص: 446 ] بعده كسب؛ ولكن إرادتك: " هذا ابتداء كسبي " ؛ ولو قال قائل: " أول عبد أملكه فهو حر " ؛ فملك عبدا؛ أعتق ذلك العبد؛ لأنه قد ابتدأ الملك؛ فجائز أن يكون " أول بيت " ؛ هو البيت الذي لم يكن الحج إلى غيره.

التالي السابق


الخدمات العلمية