معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - جل وعلا -: كنتم خير أمة أخرجت للناس ؛ يعني به أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ وقيل في معنى كنتم خير أمة أخرجت للناس كنتم عند الله في اللوح المحفوظ؛ وقيل: كنتم منذ آمنتم خير أمة؛ وقال بعضهم: معنى " كنتم خير أمة " : هذا الخطاب أصله أنه خوطب به أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وهو يعم سائر أمة محمد؛ والشريطة في الخيرية ما هو في الكلام؛ وهو قوله - عز وجل -: تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ؛ أي: توحدون الله بالإيمان برسوله؛ لأن من كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوحد الله؛ وذلك أنه يزعم أن الآيات المعجزات التي أتى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذات نفسه؛ فجعل غير الله يفعل فعل الله؛ وآيات الأنبياء لا يقدر عليها إلا الله - عز وجل -؛ ويدل على أن قوله: وتؤمنون بالله ؛ تقرون أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - نبي الله؛ قوله - عز وجل -: ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم ؛ فأهل الكتاب كفروا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فصاروا كفارا بالله؛ فأعلم الله أن بعضهم؛ وهو القليل منهم؛ آمن بالله؛ فقال: منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ؛ و " الفاسق " : الذي خرج عن أمر الله. [ ص: 457 ] ووعد الله النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين في أهل الكتاب أنهم منصورون عليهم؛ وأنه لا ينالهم من أهل الكتاب اصطلام؛ ولا غلبة؛ فقال: لن يضروكم إلا أذى ؛ أي: يؤذونكم بالبهت؛ والتحريف؛ فأما العاقبة فتكون للمؤمنين؛ قال الله - عز وجل -: ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ؛ يعني به أهل الكتاب; وأعلمهم في هذه الآية أنهم إن قاتلوهم ولوهم الأدبار؛ وسلبوا النصر وكذلك كان أمر اليهود.

التالي السابق


الخدمات العلمية