معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
فأعلم الله أنهم غير متساوين؛ فقال: ليسوا سواء ؛ وهذا وقف التمام؛ أي: ليس الذين ذكرنا من أهل الكتاب سواء؛ قال أبو عبيدة : " ليسوا سواء " ؛ جمع " ليس " ؛ وهو متقدم؛ كما قال القائل: " أكلوني البراغيث " ؛ وكما قال: عموا وصموا كثير منهم ؛ وهذا ليس كما قال؛ لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى؛ فأخبر الله أنهم غير متساوين؛ فقال: " ليسوا سواء " ؛ ثم أنبأ بافتراقهم؛ فقال: من أهل الكتاب أمة قائمة ؛ قال أهل اللغة: معنى " قائمة " : مستقيمة؛ ولم يبينوا حقيقة هذا؛ وذكر الأخفش المعنى - " أمة قائمة " - أي: ذوو أمة قائمة؛ و " الأمة " : الطريقة؛ من " أممت الشيء " ؛ إذا قصدته؛ فالمعنى - والله أعلم -: من أهل الكتاب أمة قائمة؛ أي: ذوو طريقة قائمة؛ قال النابغة الذبياني:


حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع؟!



أي: هل يأثمن ذو طريقة من طرائق الدين وهو طائع؟! فإنما المعنى أنه لا يستوي الذين قتلوا الأنبياء بغير حق؛ والذين يتلون آيات الله آناء الليل وهم ذوو طريقة مستقيمة. [ ص: 459 ] ومعنى آناء الليل ؛ ساعات الليل؛ قال أهل اللغة: واحد " آناء الليل " : " إني " ؛ و " آناء " ؛ مثل؛ " نحي " ؛ و " أنحاء " ؛ وأنشد أهل اللغة في ذلك قول الشاعر:

حلو ومر كطعم القدح مرته ... بكل إني حذاه الليل ينتعل

قالوا: واحدها " إنى " ؛ مثل " معى " ؛ و " أمعاء " ؛ وحكى الأخفش : " إنو " . وقوله - عز وجل -: وهم يسجدون ؛ معناه: وهم يصلون؛ لأن التلاوة ليست في السجود؛ وإنما ذكرت الصلاة بالسجود؛ لأن السجود نهاية ما فيها من التواضع؛ والخشوع؛ والتضرع؛ ومعنى " يتلون " ؛ في اللغة: يتبعون بعض الشيء بعضا؛ و " قد استتلاك الشيء " ؛ إذا جعلك تتبعه؛ قال الشاعر:


قد جعلت دلوي تستليني ...     ولا أحب تبع القرين



إن لم يرد سماحتي وليني

وقال بعض أهل اللغة: المعنى: منهم أمة قائمة؛ وأمة على غير ذلك؛ وأنشد في ذلك قول الشاعر:


عصاني إليها القلب إني لأمره ...     سميع فما أدري أرشد طلابها



ولم يقل: " أم هو في غي " ؛ لأن في الكلام دليلا عليه؛ قال: والعرب تضمر هذا إذا عرفت مثل هذا - عرفت المعنى -؛ [ ص: 460 ] وهذا الذي قال خطأ فاحش في مثل هذا المكان؛ لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى في هذه القصة بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله؛ ويقتلون الأنبياء بغير حق؛ فأعلم الله - جل وعز - أن منهم المؤمنين؛ الذين هم أمة قائمة؛ فما الحاجة إلى أن يقال: " غير قائمة " ؛ وإنما المبدوء به ههنا ما كان من فعل أكثرهم من الكفر؛ والمشاقة للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فذكر من كان مباينا هؤلاء؛ وذكر في التفسير أن هذا يعنى به عبد الله بن سلام ؛ وأصحابه؛ ومعنى ويأمرون بالمعروف ؛ ههنا: أي: يأمرون باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وينهون عن المنكر ؛ عن الإقامة على مشاقته - صلى الله عليه وسلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية