معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
قوله - عز وجل -: ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم ؛ خطاب للمؤمنين؛ أعلموا فيه أن منافقي أهل الكتاب لا يحبونهم؛ وأنهم هم يصحبون هؤلاء المنافقين بالبر والنصيحة التي يفعلها المحب؛ وأن المنافقين على ضد ذلك؛ فأعلم الله - جل وعز - المؤمنين ما يسره المنافقون؛ وهذا من آيات النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قال بعض النحويين: العرب إذا جاءت إلى اسم مكنى قد وصف ب " هذا " ؛ جعلته بين " ها " ؛ و " ذا " ؛ فيقول القائل: " أين أنت؟ " ؛ فيقول المجيب: " هأنذا " ؛ [ ص: 463 ] قال: وذلك إذا أرادوا جهة التقريب؛ قال: فإنما فعلوا ذلك ليفصلوا بين التقريب؛ وغيره؛ ومعنى التقريب عنده أنك لا تقصد الخبر عن هذا الاسم؛ فتقول: " هذا زيد " ؛ والقول في " هذا " ؛ عندنا أن الاستعمال في المضمر أكثر فقط؛ أعني أن يفصل بين " ها " ؛ و " ذا " ؛ لأن التنبيه أن يلي المضمر أبين؛ فإن قال قائل: " ها زيد ذا " ؛ و " هذا زيد " ؛ جاز؛ لا اختلاف بين الناس في ذلك؛ وهذا عندنا على ضربين: جائز أن يكون - أولا - في معنى " الذين " ؛ كأنه قيل: " هأنتم الذين تحبونهم ولا يحبونكم " ؛ وجائز أن يكون " تحبونهم " ؛ منصوبة على الحال؛ و " أنتم " ؛ ابتداء؛ و " أولاء " ؛ الخبر؛ المعنى: انظروا إلى أنفسكم؛ محبين لهم؛ نهوا في حال محبتهم إياهم؛ ولم يشرحوا لم كسرت " أولاء " ؛ و " أولاء " ؛ أصلها السكون؛ لأنها للإشارة؛ ولكن الهمزة كسرت لسكونها؛ وسكون الألف؛ و " وتؤمنون " ؛ عطف على " تحبون " ؛ ومعنى وتؤمنون بالكتاب كله أي: تصدقون بكتب الله كلها؛ وإذا لقوكم قالوا آمنا ؛ أي: نافقوكم؛ وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ؛ فأنبأ الله - عز وجل - بنفاقهم ههنا كما أنبأ به في قوله (تعالى): [ ص: 464 ] وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ؛ ويقال: " عضضت؛ أعض " ؛ ويقال: " رجل عض " ؛ إذا كان ملازم خصم؛ أي: يصر على المخاصمة؛ والفعل منه " عضضت " ؛ و " العض " : علف الأمصار الذي تعلفه الإبل؛ نحو: " النوى " ؛ و " القت " ؛ و " الكسب " ؛ وإنما قيل له: " عض " ؛ لأنه أكثر لبثا في المال؛ وأبقى شحما؛ و " الأنامل " ؛ واحدها أنملة؛ وهي أطراف الأصابع؛ ولم يأت على هذا المثال بغير هاء؛ ما يعني غير الواحد؛ إلا قولهم: " قد بلغ أشده " ؛ أما الجمع فكثير فيه؛ أو نحو " أكعب " ؛ و " أفلس " ؛ و " أيمن " ؛ و " أشمل " .

التالي السابق


الخدمات العلمية