معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله: "عاليهم ثياب سندس"؛ بإسكان الياء؛ وقرئت: عاليهم ؛ بفتح الياء؛ وقرئت: "عليهم"؛ بغير ألف؛ ثياب سندس ؛ وهذه الثلاثة توافق المصحف؛ وكلها حسن في العربية؛ وقرئ على وجهين غير هذه الثلاثة؛ قرئت: "عاليتهم ثياب سندس"؛ بالرفع؛ والتأنيث؛ و"عاليتهم"؛ بالنصب؛ وهذان الوجهان جيدان في العربية؛ إلا أنهما يخالفان [ ص: 262 ] المصحف؛ ولا أرى القراءة بهما؛ وقراء الأمصار ليس يقرؤون بهما؛ فأما تفسير إسكان "عاليهم"؛ بإسكان الياء؛ فيكون رفعه بالابتداء؛ ويكون خبره ثياب سندس خضر ؛ ومن نصب فقال: عاليهم ؛ بفتح الياء؛ فقال بعض النحويين: إنه ينصبه على الظرف؛ كما تقول: "فوقهم ثياب"؛ وهذا لا نعرفه في الظروف؛ ولو كان ظرفا لم يجز إسكان الياء؛ ولكن نصبه على الحال من شيئين؛ أحدهما من الهاء والميم؛ المعنى: "يطوف على الأبرار ولدان مخلدون عاليا الأبرار ثياب سندس"؛ لأنه قد وصف أحوالهم في الجنة؛ فيكون المعنى: "يطوف عليهم في هذه الحال هؤلاء"؛ ويجوز أن يكون حالا من الولدان؛ المعنى: "إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا في حال علو الثياب إياهم"؛ فالنصب على هذا بين؛ فأما "عليهم ثياب سندس"؛ فرفع؛ كقولك: "عليك مال"؛ فترفعه بالابتداء؛ ويكون المعنى: "وثياب سندس عليهم"؛ وتفسير نصب "عاليتهم"؛ ورفعها كتفسير "عاليهم"؛ و"السندس": الحرير؛ وقد قرئت: "خضر"؛ و"خضر"؛ فمن قرأ: "خضر"؛ فهو أحسن؛ لأنه يكون نعتا للثياب؛ فلفظ الثياب لفظ الجميع؛ و"خضر"؛ لفظها لفظ الجمع؛ ومن قرأ: "خضر"؛ فهو من نعت السندس؛ و"السندس"؛ في المعنى راجع إلى الثياب؛ وقرئت: "وإستبرق"؛ وهو الديباج الصفيق الغليظ الخشن؛ وقرئت بالرفع؛ والجر؛ فمن رفع فهو عطف على "ثياب"؛ المعنى: "عليهم إستبرق"؛ ومن جر عطف على السندس؛ ويكون المعنى: "عليهم ثياب من هذين النوعين؛ ثياب سندس وإستبرق"؛ وقرئت: "وإستبرق"؛ على وجهين غير هذين الوجهين؛ كلاهما ضعيف في العربية جدا؛ قرئت: "وإستبرق وحلوا"؛ بنصب "إستبرق"؛ وهو في موضع الجر؛ ولم يصرف؛ قرأها ابن محيصن؛ وزعموا أنه لم يصرفه لأن "وإستبرق"؛ اسم أعجمي؛ وأصله بالفارسية: "استبره"؛ فلما حول إلى العربية لم يصرف؛ وهذا غلط؛ لأنه نكرة؛ ألا ترى أن الألف واللام يدخلانه؟ تقول: "السندس والإستبرق"؛ والوجه الثاني: "واستبرق وحلوا"؛ بطرح الألف؛ جعل الألف ألف [ ص: 263 ] وصل؛ وجعله مسمى بالفعل من البريق؛ وهذا خطأ؛ لأن الإستبرق معروف معلوم أنه اسم نقل من العجمية إلى العربية؛ كما سمي الديباج؛ وهو منقول من الفارسية. قوله - عز وجل -: وسقاهم ربهم شرابا طهورا ؛ جاء في التفسير أنهم إذا شربوه ضمرت بطونهم؛ ورشحت جلودهم عرقا كرائحة المسك؛ وقيل إنه طهور ليس برجس كخمر الدنيا.

التالي السابق


الخدمات العلمية