معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ؛ المعنى: جعل الله الأيام مداولة بين الناس؛ ليمحص المؤمنين بما يقع عليهم من قتل في حربهم؛ أو ألم؛ أو ذهاب مال؛ ويمحق الكافرين؛ ليستأصلهم؛ وجائز أن يكون يمحقهم: يحبط أعمالهم؛ وتأويل " المحص " ؛ في اللغة: التنقية والتخليص؛ قال محمد بن يزيد - رحمه الله -: يقال: " محص الحبل محصا " ؛ إذا ذهب منه الوبر؛ حتى يملص؛ و " حبل محص " ؛ أو " ملص " ؛ بمعنى واحد؛ قال: وتأويل قول الناس: " محص عنا ذنوبنا " ؛ أي: أذهب عنا ما تعلق بنا من الذنوب؛ وأخبرنا محمد بن يزيد أن حنيف الحناتم ورد ماء يقال له: " طويلع " ؛ فقال: " والله إنك لمحص الرشاء؛ بعيد المستقى؛ مظل على الأعداء؛ ولو سألتني أعناق الإبل لأعطيتك " ؛ أي: لو تقطعت أعناق الإبل إليك لقصدتك؛ ومعنى " محص الرشاء " : أي: هو طين حر؛ فالرشاء تتملص من اليد؛ فمعنى " يمحص [ ص: 472 ] الذين آمنوا " : يخلصهم من الذنوب؛ وقال محمد بن يزيد - رحمه الله - أيضا؛ وغيره من أهل اللغة: " محص الظبي؛ يمحص " ؛ إذا عدا عدوا شديدا؛ وقال هو وحده: تأويله أنه لا يخلط حدته في العدو ونيا؛ ولا فتورا؛ وقال غيره: " محص الظبي؛ يمحص؛ ومحص " ؛ بمعنى واحد؛ إذا عدا عدوا يكاد أن ينفد فيه من شدته؛ ويقال: " ويستحب من الفرس أن تمحص قوائمه " ؛ أي: تخلص من الرهل؛ قال أبو إسحاق : وقرأت عليه أيضا عن الخليل: " المحص " : التخليص؛ يقال: " محصت الشيء؛ أمحصه؛ محصا " ؛ إذا خلصته؛ وقال بعض أهل اللغة: " وليمحص الله الذين آمنوا " ؛ أي: وليمحص الله ذنوب الذين آمنوا؛ ولم يخبروا بحقيقة المحص ما هو.

التالي السابق


الخدمات العلمية