معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
[ ص: 115 ] وقوله - عز وجل -: فأزلهما الشيطان عنها ؛ معناه أنهما أزلا بإغواء الشيطان إياهما؛ فصار كأنه أزلهما؛ كما تقول للذي يعمل ما يكون وصلة إلى أن يزلك من حال جميلة إلى غيرها: " أنت أزللتني عن هذا " ؛ أي: قبولي منك أزلني؛ فصرت أنت المزيل لي؛ ومعنى " الشيطان " ؛ في اللغة: الغالي في الكفر؛ المبتعد فيه من الجن؛ والإنس؛ و " الشطن " ؛ في لغة العرب: الحبل؛ و " الأرض الشطون " : البعيدة؛ وإنما الشيطان " فيعال " ؛ من هذا؛ وقد قرئ: " فأزالهما الشيطان " ؛ من " زلت " ؛ و " أزالني غيري " ؛ و " أزلهما " ؛ من " زللت " ؛ و " أزلني غيري " ؛ ول " زللت " ؛ ههنا وجهان: يصلح أن يكون " فأزلهما الشيطان " : أكسبهما الزلة؛ والخطيئة؛ ويصلح أن يكون " فأزلهما " : نحاهما؛ وكلا القراءتين صواب حسن. وقوله - عز وجل -: وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ؛ جمع الله للنبي - صلى الله عليه وسلم - قصة هبوطهم؛ وإنما كان إبليس أهبط أولا؛ والدليل على ذلك قوله - عز وجل - فاخرج منها فإنك رجيم ؛ وأهبط آدم ؛ وحواء؛ بعد؛ فجمع الخبر للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنهم قد اجتمعوا في الهبوط؛ وإن كانت أوقاتهم متفرقة فيه؛ وقوله: بعضكم لبعض عدو إبليس عدو للمؤمنين من ولد آدم؛ وعداوته لهم كفر؛ والمؤمنون أعداء إبليس؛ وعداوتهم له إيمان. وقوله - عز وجل -: ولكم في الأرض مستقر ؛ أي: مقام؛ وثبوت؛ وقوله: إلى حين ؛ [ ص: 116 ] قال قوم: معنى الحين ههنا: إلى يوم القيامة؛ وقال قوم: إلى فناء الآجال؛ أي: كل مستقر إلى فناء أجله؛ و " الحين " ؛ و " الزمان " ؛ في اللغة منزلة واحدة؛ وبعض الناس يجعل الحين في غير هذا الموضع ستة أشهر؛ دليله قوله: تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ؛ وإنما كل حين ههنا جعل لمدة معلومة؛ و " الحين " ؛ يصلح للأوقات كلها؛ إلا أنه في الاستعمال؛ في الكثير منها أكثر؛ يقال: " ما رأيتك منذ حين " ؛ تريد: منذ حين طويل؛ والأصل على ما أخبرنا به.

التالي السابق


الخدمات العلمية