معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
[ ص: 5 ] سورة " النساء "

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله - عز وجل - : يا أيها الناس اتقوا ربكم ؛ ابتدأ الله السورة بالموعظة؛ أخبر بما يوجب أنه واحد؛ وأن حقه - عز وجل - أن يتقى؛ فقال : الذي خلقكم من نفس واحدة ؛ يعني : من آدم - عليه السلام -؛ وإنما قيل في اللغة " واحدة " ؛ لأن لفظ النفس مؤنث؛ ومعناها مذكر في هذا الموضع؛ ولو قيل : " من نفس واحد " ؛ لجاز؛ وخلق منها زوجها ؛ حواء؛ خلقت من ضلع من أضلاع آدم ؛ وبث الله جميع خلق الناس منها.

ومعنى " بث " ؛ نشر؛ يقال : " بث الله الخلق " ؛ وقال - عز وجل - كالفراش المبثوث ؛ فهذا يدل على " بث " ؛ وبعض العرب يقول : " أبث الله الخلق " ؛ ويقال : " بثثتك سري " ؛ و " أبثثتك سري " ؛ وقوله - عز وجل - : " واتقوا الله الذي تساءلون به " ؛ [ ص: 6 ] بالتشديد؛ فالأصل : " تتساءلون " ؛ وأدغمت التاء في السين لقرب مكان هذه من هذه؛ ومن قرأ بالتخفيف فالأصل : " تتساءلون " ؛ إلا أن التاء الثانية حذفت لاجتماع التاءين؛ وذلك يستثقل في اللفظ؛ فوقع الحذف استخفافا؛ لأن الكلام غير ملبس.

ومعنى " تساءلون به " ؛ تطلبون حقوقكم به؛ والأرحام ؛ القراءة الجيدة نصب " الأرحام " ؛ المعنى : واتقوا الأرحام أن تقطعوها؛ فأما الجر في " الأرحام " ؛ فخطأ في العربية؛ لا يجوز إلا في اضطرار شعر؛ وخطأ أيضا في أمر الدين عظيم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تحلفوا بآبائكم " ؛ فكيف يكون " تساءلون به وبالرحم " ؛ على ذا؟ رأيت أبا إسحاق؛ إسماعيل بن إسحاق؛ يذهب إلى أن الحلف بغير الله أمر عظيم؛ وأن ذلك خاص لله - عز وجل -؛ على ما أتت به الرواية؛ فأما العربية فإجماع النحويين أنه يقبح أن ينسق باسم ظاهر على اسم مضمر في حال الجر؛ إلا بإظهار الجار؛ يستقبح النحويون : " مررت به وزيد " ؛ و " بك وزيد " ؛ إلا مع إظهار الخافض؛ حتى يقولوا : " بك وبزيد " ؛ فقال بعضهم : لأن المخفوض حرف متصل غير منفصل؛ فكأنه كالتنوين في الاسم؛ فقبح أن يعطف باسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه؛ وقد فسر المازي هذا تفسيرا مقنعا؛ فقال : الثاني في العطف شريك للأول؛ فإن كان الأول يصلح شريكا [ ص: 7 ] للثاني؛ وإلا لم يصلح أن يكون الثاني شريكا له؛ قال : فكما لا تقول " مررت بزيد و ك " ؛ فكذلك لا يجوز " مررت بك وزيد " ؛ وقد جاز ذلك في الشعر؛ أنشد سيبويه :


فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب

التالي السابق


الخدمات العلمية