[ ص: 5 ] سورة " النساء  " 
بسم الله الرحمن الرحيم 
قوله - عز وجل - : 
يا أيها الناس اتقوا ربكم ؛ ابتدأ الله السورة بالموعظة؛ أخبر بما يوجب أنه واحد؛ وأن حقه - عز وجل - أن يتقى؛ فقال : 
الذي خلقكم من نفس واحدة ؛ يعني : من 
آدم   - عليه السلام -؛ وإنما قيل في اللغة " واحدة " ؛ لأن لفظ النفس مؤنث؛ ومعناها مذكر في هذا الموضع؛ ولو قيل : " من نفس واحد " ؛ لجاز؛ 
وخلق منها زوجها ؛ 
حواء؛  خلقت من ضلع من أضلاع 
آدم  ؛ وبث الله جميع خلق الناس منها. 
ومعنى " بث " ؛ نشر؛ يقال : " بث الله الخلق " ؛ وقال - عز وجل - 
كالفراش المبثوث ؛ فهذا يدل على " بث " ؛ وبعض 
العرب  يقول : " أبث الله الخلق " ؛ ويقال : " بثثتك سري " ؛ و " أبثثتك سري " ؛ وقوله - عز وجل - : " واتقوا الله الذي تساءلون به " ؛  
[ ص: 6 ] بالتشديد؛ فالأصل : " تتساءلون " ؛ وأدغمت التاء في السين لقرب مكان هذه من هذه؛ ومن قرأ بالتخفيف فالأصل : " تتساءلون " ؛ إلا أن التاء الثانية حذفت لاجتماع التاءين؛ وذلك يستثقل في اللفظ؛ فوقع الحذف استخفافا؛ لأن الكلام غير ملبس. 
ومعنى " 
تساءلون به  " ؛ تطلبون حقوقكم به؛ 
والأرحام ؛ القراءة الجيدة نصب " الأرحام " ؛ المعنى : واتقوا الأرحام أن تقطعوها؛ فأما الجر في " الأرحام " ؛ فخطأ في العربية؛ لا يجوز إلا في اضطرار شعر؛ وخطأ أيضا في أمر الدين عظيم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=656157 " لا تحلفوا بآبائكم " ؛ فكيف يكون " تساءلون به وبالرحم " ؛ على ذا؟ رأيت 
أبا إسحاق؛ إسماعيل بن إسحاق؛  يذهب إلى أن 
الحلف بغير الله أمر عظيم؛ وأن ذلك خاص لله - عز وجل -؛ على ما أتت به الرواية؛ فأما العربية فإجماع النحويين أنه يقبح أن ينسق باسم ظاهر على اسم مضمر في حال الجر؛ إلا بإظهار الجار؛ يستقبح النحويون : " مررت به وزيد " ؛ و " بك وزيد " ؛ إلا مع إظهار الخافض؛ حتى يقولوا : " بك وبزيد " ؛ فقال بعضهم : لأن المخفوض حرف متصل غير منفصل؛ فكأنه كالتنوين في الاسم؛ فقبح أن يعطف باسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه؛ وقد فسر 
المازي  هذا تفسيرا مقنعا؛ فقال : الثاني في العطف شريك للأول؛ فإن كان الأول يصلح شريكا  
[ ص: 7 ] للثاني؛ وإلا لم يصلح أن يكون الثاني شريكا له؛ قال : فكما لا تقول " مررت بزيد و ك " ؛ فكذلك لا يجوز " مررت بك وزيد " ؛ وقد جاز ذلك في الشعر؛ أنشد 
 nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه   : 
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا  ... فاذهب فما بك والأيام من عجب