معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: وآمنوا بما أنـزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ؛ يعني القرآن؛ ويكون أيضا: " ولا تكونوا أول كافر بكتابكم؛ وبالقرآن " ؛ إن شئت عادت الهاء على قوله: " لما معكم " ؛ وإنما قيل لهم: " ولا تكونوا أول كافر " ؛ لأن الخطاب وقع على حكمائهم؛ فإذا كفروا كفر معهم الأتباع؛ فلذلك قيل لهم: " ولا تكونوا أول كافر " ؛ فإن قال قائل: كيف تكون الهاء لكتابهم؟ قيل له: [ ص: 123 ] إنهم إذا كتموا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتابهم؛ فقد كفروا به؛ كما أنه من كتم آية من القرآن فقد كفر به؛ ومعنى: " ولا تكونوا أول كافر به " : إذا كان بالقرآن؛ لا مؤنة فيه؛ لأنهم يظهرون أنهم كافرون بالقرآن؛ ومعنى: " أول كافر " : أول الكافرين؛ قال بعض البصريين في هذا قولين: قال الأخفش : معناه: أول من كفر به؛ وقال البصريون أيضا: معناه: ولا تكونوا أول فريق كافر به؛ أي: بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وكلا القولين صواب حسن؛ وقال بعض النحويين: إن هذا إنما يجوز في " فاعل " ؛ و " مفعول " ؛ تقول: " الجيش منهزم " ؛ و " الجيش مهزوم " ؛ ولا يجوز فيما ذكر: " الجيش رجل " ؛ و " الجيش فرس " ؛ وهذا في " فاعل " ؛ و " مفعول " ؛ أبين؛ لأنك إذا قلت: " الجيش منهزم " ؛ فقد علم أنك تريد: " هذا الجيش " ؛ فنقطت في لفظه بفاعل؛ لأن المعنى الذي وضع عليه " الجيش " ؛ معنى يدل على جمع؛ فهو " فاعل " ؛ و " مفعول " ؛ يدل على ما يدل عليه " الجيش " ؛ وإذا قلت: " الجيش رجل " ؛ فإنما يكره في هذا أن يتوهم أنك تقلله؛ فأما إذا عرف معناه؛ فهو سائغ جيد؛ تقول: " جيشهم إنما هو فرس ورجل " ؛ أي: ليس بكثير الأتباع؛ فيدل المعنى على أنك تريد: " الجيش خيل ورجال " ؛ وهذا في " فاعل " ؛ و " مفعول " ؛ أبين؛ كما وصفنا. وقوله - عز وجل -: أول كافر به ؛ اللغة العليا والقدمى: الفتح في الكاف؛ وهي لغة أهل الحجاز؛ والإمالة في الكاف أيضا جيد بالغ في اللغة؛ لأن " فاعلا " ؛ إذا سلم من حروف الإطباق؛ [ ص: 124 ] وحروف المستعلية؛ كانت الإمالة فيه سائغة؛ إلا في لغة أهل الحجاز؛ والإمالة لغة بني تميم؛ وغيرهم من العرب؛ ولسان الناس الذين هم بالعراق جار على لفظ الإمالة؛ فالعرب تقول: " هذا عابد " ؛ و " هو عابد " ؛ فيكسرون ما بعدها إلا أن تدخل حروف الإطباق؛ وهي: الطاء؛ والظاء؛ والصاد؛ والضاد؛ لا يجوز في قولك: " فلان ظالم " : " ظالم " - " ممال " -؛ ولا في " طالب " : " طالب " - " ممال " -؛ ولا في " صابر " : " صابر " - " ممال " -؛ ولا في " ضابط " : " ضابط " - " ممال " -؛ وكذلك حروف الاستعلاء؛ وهي: الخاء؛ والغين؛ والقاف؛ لا يجوز في " غافل " : " غافل " - " ممال " -؛ ولا في " خادم " : " خادم " - " ممال " -؛ ولا في " قاهر " : " قاهر " - " ممال " -؛ وباب الإمالة يطول شرحه؛ إلا أن هذا في هذا الموضع هو المقصود؛ وقدر الحاجة.

التالي السابق


الخدمات العلمية