معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله : فما لكم في المنافقين فئتين ؛ هذا خطاب للمسلمين؛ وذلك أن قوما من المنافقين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : قد اجتوينا المدينة؛ فلو أذنت لنا فخرجنا إلى البدو؛ فلما خرجوا لم يزالوا يرحلون مرحلة مرحلة؛ حتى لحقوا بالمشركين؛ فقال قوم من المسلمين : هم كفار؛ هم كفار؛ وقال قوم : هم مسلمون؛ حتى نعلم أنهم بدلوا؛ فأمر الله بأن يتفق المسلمون على تكفير من احتال على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وخالفه؛ فقال - عز وجل - : فما لكم في المنافقين فئتين ؛ [ ص: 88 ] أي : أي شيء لكم في الاختلاف في أمرهم؛ والله أركسهم بما كسبوا ؛ وتأويل " أركسهم " ؛ في اللغة : نكسهم؛ وردهم؛ يقال : " أركسه " ؛ و " ركسه " ؛ ومعنى " والله أركسهم بما كسبوا " ؛ أي : ردهم إلى حكم الكفار؛ وقوله : أتريدون أن تهدوا من أضل الله ؛ أي : أتقولون : إن هؤلاء مهتدون؛ والله قد أضلهم؟! ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ؛ أي : طريقا إلى الحجة؛ وقال النحويون في نصب " فئتين " : إنها منصوبة على الحال؛ وقال سيبويه : إذا قلت : " ما لك قائما؟! " ؛ فإنما معناه : " لم قمت " ؛ ونصب على تأويل : " أي شيء يستقر لك في هذه الحال " ؛ قال غيره : إن " قائما " ؛ ههنا؛ منصوب على جهة فعل " مال " ؛ ويجيز " ما لك قائما؟! " ؛ و " ما لك القائم يا هذا؟! " ؛ و " ما لك القائم " ؛ خطأ؛ لأن " القائم " ؛ معرفة؛ فلا يجوز أن تقع حالا؛ و " ما " ؛ حرف من حروف الاستفهام؛ لا تعمل عمل " كان " ؛ ولو جاز " ما لك القائم يا هذا؟! " ؛ جاز أن يقول : " ما عندك القائم " ؛ و " ما بك القائم " ؛ وبالإجماع أن " ما عندك القائم " ؛ خطأ؛ فـ " ما لك القائم " ؛ مثله؛ لا فرق في ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية