معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ؛ اختلف النحويون في تفسير الرفع فيهما؛ قال سيبويه ؛ وكثير من البصريين : إن هذا وقوله : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ؛ وقوله : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ؛ هذه الأشياء مرفوعة على معنى : " وفيما فرض الله عليكم : السارق والسارقة؛ والزانية والزاني " ؛ أو : " السارق والسارقة فيما فرض الله عليكم " ؛ ومعنى قولهم هذا : " فيما فرض عليكم حكم السارق والسارقة " ؛ وقال سيبويه : الاختيار في هذا النصب في العربية؛ كما تقول : " زيدا اضربه " ؛ وقال : أبت العامة القراءة إلا بالرفع؛ يعني بالعامة [ ص: 172 ] الجماعة؛ وقرأ عيسى بن عمر : " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " ؛ وكذلك " الزانية والزاني " ؛ وهذه القراءة - وإن كان القارئ بها مقدما - لا أحب أن يقرأ بها؛ لأن الجماعة أولى بالاتباع؛ إذ كانت القراءة سنة؛ قال أبو إسحاق : ودليلي أن القراءة الجيدة بالرفع في " والزانية والزاني؛ وفي " والسارق والسارقة " ؛ قوله - جل ثناؤه - : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ؛ وقال غير سيبويه من البصريين؛ وهو محمد بن يزيد المبرد : أختار أن يكون " والسارق والسارقة " ؛ رفعا بالابتداء؛ لأن القصد ليس إلى واحد بعينه؛ فليس هو مثل قولك : " زيدا فاضربه " ؛ إنما هو كقولك : " من سرق فاقطع يده؛ ومن زنى فاجلده " ؛ وهذا القول هو المختار؛ وهو مذهب بعض البصريين والكوفيين؛ وقيل : " أيديهما " ؛ يعني به أيمانهما؛ وفي قراءة ابن مسعود : " والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم " ؛ قال بعض النحويين : إنما جعلت تثنية ما في الإنسان منه واحد; لأن أكثر أعضائه فيه منه اثنان؛ فحمل ما كان فيه الواحد على مثل ذلك؛ قال : لأن للإنسان عينين؛ فإذا ثنيت قلت : " عيونهما " ؛ فجعلت " قلوبكما " ؛ و " ظهورهما " ؛ في القرآن؛ وكذلك " أيديهما " ؛ وهذا خطأ؛ إنما ينبغي أن يفصل بين ما في الشيء منه واحد؛ وبين ما في الشيء منه اثنان؛ [ ص: 173 ] وقال قوم : إنما فعلنا ذلك للفصل بين ما في الشيء منه واحد وبين ما في الشيء منه اثنان؛ فجعل ما في الشيء منه واحد تثنيته جمعا؛ نحو قول الله - عز وجل - : إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ؛ قال أبو إسحاق : وحقيقة هذا الباب أن كل ما كان في الشيء منه واحد لم يثن؛ ولفظ به على لفظ الجمع؛ لأن الإضافة تبينه؛ فإذا قلت : " أشبعت بطونهما " ؛ علم أن للاثنين بطنين فقط؛ وأصل التثنية الجمع؛ لأنك إذا ثنيت الواحد فقد جمعت واحدا إلى واحد؛ وكان الأصل أن يقال : " اثنا رجال " ؛ ولكن " رجلان " ؛ يدل على جنس الشيء؛ وعدده؛ فالتثنية يحتاج إليها للاختصار؛ فإذا لم يكن اختصار رد الشيء إلى أصله؛ وأصله الجمع؛ فإذا قلت : " قلوبهما " ؛ فالتثنية في " هما " ؛ قد أغنتك عن تثنية " قلب " ؛ فصار الاختصار ههنا ترك تثنية " قلب " ؛ وإن ثني ما كان في الشيء منه واحد فذلك جائز عند النحويين؛ قال الشاعر :


ظهراهما مثل ظهور الترسين



فجاء بالتثنية؛ والجمع؛ في بيت واحد؛ وحكى سيبويه أنه قد يجمع المفرد؛ والذي ليس من شيء؛ إذا أردت به التثنية؛ وحكي عن العرب : " وضعا رحالهما " ؛ يريد : " رحلي راحلتهما " . [ ص: 174 ] وأجمعت الفقهاء أن السارق يقطع؛ حرا كان أو عبدا؛ وأن السارقة تقطع؛ حرة كانت أو أمة؛ وأجمعوا أن القطع من الرسغ؛ و " الرسغ " : المفصل بين الكف والساعد؛ ويقال : " رسغ " ؛ و " رصغ " ؛ والسين أجود.

جزاء بما كسبا ؛ " جزاء " ؛ نصب لأنه مفعول به؛ المعنى : فاقطعوا بجزاء فعلهم؛ وكذلك نكالا من الله ؛ وإن شئت كانا منصوبين على المصدر الذي دل عليه " فاقطعوا " ؛ لأن معنى " فاقطعوا " : جازوهم؛ ونكلوا بهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية