معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله : يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه ؛ فيها من العربية ثلاثة أوجه : " من يرتدد " ؛ و " من يرتد " ؛ بفتح الدال؛ و " من يرتد منكم " ؛ بكسر الدال؛ ولا يجوز في القراءة الكسر لأنه لم يرو أنه قرئ به؛ وأما " من يرتدد " ؛ فهو الأصل؛ لأن التضعيف إذا سكن الثاني من المضعفين؛ " ظهر التضعيف؛ نحو قوله : إن يمسسكم قرح ؛ ولو قرئت : " إن يمسكم قرح " ؛ كان صوابا؛ ولكن لا تقرأن به؛ لمخالفته المصحف؛ ولأن القراءة سنة؛ وقد ثبت عن نافع وأهل الشام : " يرتدد " ؛ بدالين؛ وموضع " يرتد " ؛ جزم؛ والأصل كما قلنا : " يرتدد " ؛ وأدغمت الدال الأولى في الثانية؛ وحركت الثانية بالفتح؛ لالتقاء الساكنين؛ قال أبو عبيد : إنهم كرهوا اجتماع حرفين متحركين؛ وأحسبه غلط؛ لأن اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد أكثر في الكلام من أن يحصى؛ نحو : " شرر " ؛ و " مدد " ؛ و " قدد " ؛ و " خدد " ؛ والكسر في قوله : " من يرتد " ؛ يجوز لالتقاء الساكنين؛ لأنه أصل؛ والفاء جواب للجزاء؛ أي : " إن ارتد أحد عن دينه " ؛ أي : الذي هو الإيمان. [ ص: 183 ] فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ؛ أي : بقوم مؤمنين؛ غير منافقين؛ أذلة على المؤمنين ؛ أي : جانبهم لين على المؤمنين؛ ليس أنهم أذلاء مهانون؛ أعزة على الكافرين ؛ أي : جانبهم غليظ على الكافرين؛ وقوله : يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ؛ لأن المنافقين كانوا يراقبون الكفار؛ ويظاهرونهم؛ ويخافون لومهم؛ فأعلم الله - عز وجل - أن الصحيح الإيمان لا يخاف في نصرة الدين بيده؛ ولا لسانه؛ لومة لائم؛ ثم أعلم الله - عز وجل - أن ذلك لا يكون إلا بتسديده؛ وتوفيقه؛ فقال - عز وجل - : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ؛ أي : محبتهم لله؛ ولين جانبهم للمسلمين؛ وشدتهم على الكافرين؛ فضل من الله - عز وجل - عليهم؛ لا توفيق لهم إلا به - عز وجل.

التالي السابق


الخدمات العلمية