معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله : قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله أي : بشر مما نقمتم من إيماننا ثوابا؛ و " مثوبة " ؛ منصوب على التمييز؛ وقوله : من لعنه الله ؛ موضع " من " : إن شئت كان رفعا؛ وإن شئت كان جرا؛ فأما من جر فيجعله بدلا من " شر " ؛ المعنى : " أنبئكم بمن لعنه الله " ؛ و " من " ؛ رفع؛ فبإضمار " هو " ؛ كأن قائلا قال : " من ذلك؟ " ؛ فقيل : " هو من لعنه الله " ؛ كما قال - جل ثناؤه - : قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار ؛ كأنه قال : " هي النار " ؛ وقوله : وعبد الطاغوت ؛ " الطاغوت " ؛ هو الشيطان؛ وتأويل " وعبد الطاغوت " : أطاعه فيما سول له؛ وأغراه به؛ وقد قرئت : " وعبد الطاغوت " ؛ والذي أختار : " وعبد الطاغوت " ؛ وروي عن ابن مسعود : " وعبدوا الطاغوت " ؛ وهذا يقوي " وعبد الطاغوت " ؛ ومن قال : " وعبد الطاغوت " ؛ فضم الباء؛ وجر " الطاغوت " ؛ فإنه عند بعض أهل العربية ليس بالوجه من جهتين؛ إحداهما أن " عبد " ؛ على " فعل " ؛ وليس هذا [ ص: 188 ] من أمثلة الجمع؛ لأنهم فسروه " خدم الطاغوت " ؛ والثاني أن يكون محمولا على " وجعل منهم عبد الطاغوت " ؛ فأما من قرأ : " وعبد الطاغوت " ؛ فهو جمع " عبيد " ؛ و " عبد " ؛ مثل : " رغيف " ؛ و " رغف " ؛ و " سرير " ؛ و " سرر " ؛ ويكون على معنى " وجعل منهم عبد الطاغوت " ؛ على " جعلت زيدا أخاك " ؛ أي : " نسبته إليك " ؛ ووجه " وعبد الطاغوت " ؛ بفتح العين؛ وضم الباء؛ أن الاسم يبنى على " فعل " ؛ كما قالوا : " علم زيد " ؛ وكما أقول : " رجل حذر " ؛ تأويل " حذر " ؛ أنه مبالغ في الحذر؛ فتأويل " عبد " ؛ أنه بلغ الغاية في طاعة الشيطان؛ وكأن اللفظ لفظ واحد؛ يدل على الجمع؛ كما تقول للقوم : " منكم عبد العصا " ؛ تريد " منكم عبيد العصا " ؛ ويجوز بعد هذه الثلاثة الأوجه الرفع في قوله : " وعبد الطاغوت " ؛ فيقول : " وعبد الطاغوت " ؛ وكذلك " وعبد الطاغوت " ؛ بالرفع؛ ولا تقرأن بهذين الوجهين؛ وإن كانا جائزين؛ لأن القراءة لا تبتدع على وجه يجوز؛ وإنما سبيل القراءة اتباع من تقدم؛ فيجوز رفع " وعبد الطاغوت " ؛ " وعبد الطاغوت " ؛ على معنى الذم؛ والمعنى : " وهم عبد الطاغوت " ؛ كأنه لما قال : من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير ؛ دل الكلام على اتباعهم الشياطين؛ فقيل : " وهم عبد الطاغوت " ؛ ويجوز أن يكون بدلا من " من " ؛ في رفع " من " ؛ كأنه لما قيل : " منهم من لعنه الله؛ وغضب عليه " ؛ قيل : " هم عبد الطاغوت " ؛ و " عبد الطاغوت " ؛ ويجوز في الكلام أيضا : " وعبد الطاغوت " ؛ بإسكان الباء؛ وفتح الدال؛ ويكون على وجهين؛ أحدهما أن يكون مخففا من " عبد " ؛ كما يقال في " عضد " : " عضد " ؛ وجائز أن يكون " عبد " ؛ اسما واحدا يدل على الجنس؛ وكذلك يجوز في " عبد " ؛ الرفع؛ [ ص: 189 ] والنصب؛ من جهتين؛ كما وصفنا في " عبد " ؛ ويجوز أن يكون النصب من جهتين؛ إحداهما على " وجعل منهم عبد الطاغوت " ؛ ويجوز أن يكون منصوبا على الذم؛ على " أعني عبد الطاغوت " ؛ ويجوز في " وعبد " ؛ " وعبد " ؛ " وعبد " ؛ الجر على البدل من " من " ؛ ويكون المعنى : " هل أنبئكم بمن لعنه الله وعبد الطاغوت " ؛ ولا يجوز القراءة بشيء من هذه الأوجه إلا بالثلاثة التي رويت؛ وقرأ بها القراء؛ وهي " عبد الطاغوت " ؛ وهي أجودها؛ ثم " وعبد الطاغوت " ؛ ثم " وعبد الطاغوت " .

وقوله : أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل ؛ أي : هؤلاء الذين هذه صفتهم شر مكانا؛ وأضل عن سواء السبيل؛ أي : عن قصد السبيل؛ و " مكانا " ؛ منصوب على التفسير.

التالي السابق


الخدمات العلمية