معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل - : إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان ؛ فالخمر معروف؛ وهو ما خامر العقل؛ وقد فسرناه؛ و " الميسر " : القمار كله؛ وأصله أنه كان قمارا في الجزور؛ وكانوا يقسمون الجزور - في قول الأصمعي - على ثمانية وعشرين جزءا؛ وفي قول أبي عمرو الشيباني : على عشرة أجزاء؛ وقال أبو عبيدة : لا أعرف عدد الأجزاء؛ وكانوا يضربون عليها بالقداح؛ وهي سهام خشب؛ لها أسماء؛ نبينها على حقيقتها في كتابنا إن شاء الله؛ فيحصل كل رجل من ذلك القمار على قدر إمكانه؛ فهذا أصل الميسر؛ والقمار كله كالميسر؛ وقد بينا الأنصاب والأزلام في أول السورة؛ فأعلم الله أن القمار؛ والخمر؛ والاستقسام بالأزلام؛ وعبادة الأوثان رجس؛ و " الرجس " ؛ في اللغة : اسم لكل ما استقذر من عمل؛ فبالغ الله في ذم هذه الأشياء؛ وسماها رجسا؛ وأعلم أن الشيطان يسول ذلك لبني آدم ؛ يقال : " رجس الرجل؛ يرجس " ؛ و " رجس يرجس " ؛ إذا عمل عملا قبيحا؛ و " الرجس " ؛ بفتح الراء : [ ص: 204 ] شدة الصوت؛ فكأن " الرجس " ؛ العمل الذي يقبح ذكره؛ ويرتفع في القبح؛ ويقال : " سحاب ورعد رجاس " ؛ إذا كان شديد الصوت؛ قال الشاعر :


وكل رجاس يسوق الرجسا



وأما " الرجز " ؛ بالزاي؛ فالعذاب؛ أو العمل الذي يؤدي إلى العذاب؛ قال الله : لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ؛ أي : كشفت عنا العذاب؛ وقوله : والرجز فاهجر ؛ قالوا : عبادة الأوثان؛ وأصل " الرجز " ؛ في اللغة : تتابع الحركات؛ فمن ذلك قولهم : " رجزاء " ؛ إذا كانت ترتعد قوائمها عند قيامها؛ ومن هذا " رجز الشعر " ؛ لأنه أقصر أبيات الشعر؛ والانتقال فيه من بيت إلى بيت سريع؛ نحو قوله :


يا ليتني فيها جذع ...     أخب فيها وأضع



ونحو قولهم :


صبرا بني عبد الدار



ونحو قولهم :


ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا



[ ص: 205 ] وزعم الخليل أن الرجز ليس بشعر؛ وإنما هو أنصاف أبيات؛ أو أثلاث؛ ودليل الخليل في ذلك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا؛ وتأتيك من لم تزود بالأخبار " ؛ قال الخليل : لو كان نصف البيت شعرا ما جرى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - " ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا " ؛ وجاء النصف الثاني على غير تأليف الشعر؛ لأن نصف البيت لا يقال له : " شعر " ؛ ولا " بيت " ؛ ولو جاز أن يقال لنصف البيت : " شعر " ؛ لقيل لجزء منه : " شعر " ؛ وجرى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما روي : " أنا النبي لا كذب؛ أنا ابن عبد المطلب " ؛ قال بعضهم : إنما هو : " لا كذب أنا ابن عبد المطلب " ؛ بفتح الباء؛ على الوصل؛ قال الخليل : فلو كان شعرا لم يجر على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قال الله : وما علمناه الشعر وما ينبغي له ؛ أي : ما يسهل له؛ قال الأخفش : كان قول الخليل : إن هذه الأشياء شعر؛ وأنا أقول : إنها ليست بشعر؛ وذكر أنه ألزم الخليل أن الخليل اعتقده؛ ومعنى " الرجز " : العذاب المقلقل لشدته قلقلة شديدة متتابعة؛ ومعنى فاجتنبوه أي : اتركوه. [ ص: 206 ] واشتقاقه في اللغة : كونوا جانبا منه؛ أي : في ناحية.

التالي السابق


الخدمات العلمية