معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله : إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم ؛ جائز أن يكون موضع " عيسى " ؛ نصبا؛ كما تقول : " يا زيد بن عمرو " ؛ لأن " ابنا " ؛ إذا أضيف إلى اسم معروف علم؛ أو أضيف إلى كنية معروفة؛ جعل وما قبله كالشيء الواحد؛ فجميع النحويين يختارون " يا زيد بن عمرو " ؛ وكلهم يجيزون : " يا زيد بن عمرو " ؛ وعلى هذا جائز أن يكون موضع " عيسى " ؛ موضع اسم مبني على الضم؛ قالوا كلهم : فإن قلت : " يا زيد ابن أخينا " ؛ و " يا زيد ابن الرجل الصالح " ؛ فضممت " زيدا " ؛ لا غير؛ لأن النصب إنما يكون إذا أضيف " ابن " ؛ إلى علم؛ كما وصفنا؛ وقد قرئ : " هل تستطيع ربك " ؛ و هل يستطيع ربك ؛ فمن قرأ : " هل تستطيع ربك " ؛ فالمعنى : " هل تستدعي إجابته؛ وطاعته في أن ينزل علينا... " ؛ ومن قرأها : " هل يستطيع ربك " ؛ كان معناه : " هل يقدر ربك؟ " ؛ قال أبو إسحاق : وليس المعنى عندي - والله أعلم - أنهم جهلوا أن الله يقدر على أن ينزل مائدة؛ ولكن وجه السؤال : " هل ترينا أنت أن ربك يرينا ما سألنا من أجلك من آياتك التي تدل على نبوتك؟ " ؛ فأما " المائدة " ؛ فقال أبو عبيدة : إنها في المعنى " مفعولة " ؛ ولفظها " فاعلة " ؛ قال : وهي مثل عيشة راضية ؛ وقال : إن المائدة من العطاء؛ و " الممتاد " : المفتعل؛ المطلوب منه العطاء؛ قال الشاعر :


إني أمير المؤمنين الممتاد



و " ماد زيد عمرا " ؛ إذا أعطاه؛ والأصل عندي في " مائدة " ؛ أنها " فاعلة " ؛ من " ماد؛ يميد " ؛ إذا تحرك؛ فكأنها تميد بما عليها؛ وقيل في التفسير : إنها أنزلت عليهم في يوم الأحد؛ وكان عليها خبز؛ [ ص: 221 ] وسمك؛ فالنصارى تجعل الأحد عيدا - فيما قيل - لذلك؛ وقال بعضهم : إنها لم تنزل للتهود الذي وقع في الكفر بعد نزولها؛ والأشبه أن تكون لأن نزولها قد جاء ذكره في هذه القصة؛ قال الله - عز وجل - : إني منـزلها عليكم ؛ وقال غير أهل الإسلام : إنها نزلت؛ والأخبار أنها انتهت؛ فالتصديق بها واجب؛ فأما وجه مسألة الحواريين عيسى المائدة؛ فيحمل ضربين؛ أحدهما أن يكونوا ازدادوا تثبيتا؛ كما قال إبراهيم : رب أرني كيف تحي الموتى ؛ وجائز أن تكون مسألتهم المائدة قبل علمهم أنه أبرأ الأكمه والأبرص؛ وأنه أحيا الموتى؛ وأما قول عيسى للحواريين : اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ؛ فإنما أمرهم ألا يقترحوا هم الآيات؛ وألا يقدموا بين يدي الله ورسوله؛ لأن الله قد أراهم الآيات والبراهين بإحياء الموتى؛ وهو أوكد فيما سألوا؛ وطلبوا.

التالي السابق


الخدمات العلمية