معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
قوله : ولو ترى إذ وقفوا على النار ؛ القراءة أكثرها بالفتح؛ والتفخيم؛ والإمالة حسنة جيدة؛ وهي مذهب أبي عمرو؛ أعني كسر الألف من " النار " ؛ وإنما حسنت الإمالة في قوله : كمثل الحمار يحمل أسفارا ؛ و " أصحاب النار " ؛ لأن الراء بعد الألف مكسورة؛ وهي حرف كأنه مكرر في اللسان؛ فصارت الكسرة فيه كالكسرتين؛ ومعنى وقفوا على النار يحتمل ثلاثة أوجه : جائز أن يكونوا عاينوها؛ وجائز أن يكونوا عليها وهي تحتهم؛ والأجود أن يكون معنى " وقفوا على النار " ؛ أدخلوها؛ فعرفوا مقدار عذابها؛ كما تقول في الكلام : " قد وقفت على ما عند فلان " ؛ تريد : " قد فهمته؛ وتبينته " ؛ فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ؛ أكثر القراء بالرفع في قوله : " ولا نكذب بآيات ربنا " ؛ ويكون المعنى أنهم تمنوا الرد؛ وضمنوا أنهم لا يكذبون؛ المعنى : " يا ليتنا نرد؛ ونحن لا نكذب بآيات ربنا؛ رددنا أم لم نرد " ؛ ونكون من المؤمنين ؛ أي : قد عاينا وشاهدنا ما لا نكذب معه أبدا؛ قال سيبويه : مثله : " دعني ولا أعود " ؛ أي : " وأنا لا أعود؛ تركتني أو لم تتركني " ؛ ويجوز الرفع على وجه آخر؛ على معنى " يا ليتنا نرد؛ ويا ليتنا لا نكذب بآيات ربنا " ؛ كأنهم تمنوا الرد؛ والتوفيق للتصديق؛ ونكون من المؤمنين ؛ الرفع والنصب أيضا فيه جائزان؛ فأما النصب فعلى " يا ليتنا نرد " ؛ وتكون " يا ليتنا نرد ولا نكذب " ؛ [ ص: 240 ] على الجواب بالواو في التمني؛ كما تقول : " ليتك تصير إلينا ونكرمك " ؛ المعنى : " ليت مصيرك يقع وإكرامنا " ؛ ويكون المعنى : " ليت ردنا وقع وألا نكذب " ؛ أي : " إن رددنا لم نكذب " .

التالي السابق


الخدمات العلمية