معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
[ ص: 266 ] وقوله - جل وعز - : فلما جن عليه الليل رأى كوكبا ؛ يقال : " جن عليه الليل " ؛ و " أجنه الليل " ؛ إذا أظلم حتى يستتر بظلمته؛ ويقال لكل ما ستر : " قد جن " ؛ و " قد أجن " ؛ ويقال : " جنه الليل " ؛ ولكن الاختيار " جن عليه الليل " ؛ و " أجنه الليل " ؛ وقيل : إن قوم إبراهيم كانوا يعبدون الأصنام؛ والشمس؛ والقمر؛ والكواكب؛ فلما بلغ إبراهيم المبلغ الذي يجب معه النظر؛ وتجب به على العبد الحجة؛ نظر في الأشياء التي كان يعبدها قومه؛ فلما رأى الكوكب الذي كانوا يعبدونه؛ قال لهم : هذا ربي ؛ أي : في زعمكم؛ كما قال الله - جل وعز - : أين شركائي الذين كنتم تزعمون ؛ فأضافهم إلى نفسه حكاية لقولهم؛ فلما أفل ؛ أي : فلما غاب؛ يقال : " أفل النجم؛ يأفل؛ ويأفل؛ أفولا " ؛ إذا غاب؛ قال لا أحب الآفلين ؛ أي : لا أحب من كانت حالته أن يطلع ويسير على هيئة يتبين معها أنه محدث منتقل من مكان إلى مكان؛ كما يفعل سائر الأشياء التي أجمعتم معي على أنها ليست بآلهة؛ أي : لا أتخذ ما هذه حاله إلها؛ كما أنكم لا تتخذون كل ما جرى مجرى هذا من سائر الأشياء آلهة؛ ليس أنه جعل الحجة عليهم أن ما غاب ليس بإله؛ لأن السماء والأرض ظاهرتان غير غائبتين؛ وليس يدعى فيهما هذه الدعوى؛ وإنما أراد التبيين لهم القريب؛ لأن غيبوبته أقرب ما [ ص: 267 ] يناظرون به فيما يظهر لهم؛ كما قال : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ؛ وقد قيل : إنه قال هذا وهو ينظر لنفسه؛ فكأنه على هذا القول بمنزلة قوله : ووجدك ضالا فهدى ؛ وإبراهيم قد أنبأ الله - عز وجل - عنه بقوله : إذ جاء ربه بقلب سليم ؛ فلا شك أنه سليم من أن يكون الشك دخله في أمر الله؛ والله أعلم؛ وجائز أن يكون على إضمار القول؛ كأنه قال : فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي ؛ كأنه قال : " تقولون هذا ربي " ؛ أي : " أنتم تقولون هذا ربي " ؛ كما قال - جل وعز - : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا ؛ المعنى : يقولان : تقبل منا؛ والله أعلم بحقيقة هذا؛ والذي عندي في هذا القول أنه قال لهم : " تقولون هذا ربي " ؛ أي : هذا يدبرني؛ لأنه فيما يروى أنهم كانوا أصحاب نجوم؛ فاحتج عليهم بأن الذي تزعمون أنه مدبر إنما يرى فيه أثر مدبر لا غير.

التالي السابق


الخدمات العلمية