معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله : ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش ؛ معنى التمكين في الأرض : التمليك والقدرة؛ ومعنى المعايش يحتمل أن يكون ما يعيشون به؛ ويمكن أن يكون الوصلة إلى ما يعيشون به؛ وأكثر القراء على ترك الهمز في معايش؛ وقد رووها عن نافع مهموزة؛ وجميع النحويين البصريين يزعمون أن همزها خطأ؛ وذكروا أن الهمز إنما يكون في هذه الياء إذا كانت زائدة؛ نحو : " صحيفة " ؛ و " صحائف " ؛ فأما " معايش " ؛ فمن " العيش " ؛ الياء أصلية؛ و " صحيفة " ؛ من " الصحف " ؛ لأن الياء زائدة؛ وإنما همزت لأنه لا حظ لها في الحركة؛ وقد قربت من آخر الكلمة؛ ولزمتها الحركة؛ فأوجبوا فيها الهمز؛ وإذا جمعت " مقاما " ؛ قلت : " مقاوم " ؛ وأنشد النحويون :


وإني لقوام مقاوم لم يكن ... جرير ولا مولى جرير يقومها



وقد أجمع النحويون على أن حكوا : " مصائب " ؛ في جمع " مصيبة " ؛ بالهمز؛ وأجمعوا أن الاختيار " مصاوب " ؛ وهذه عندهم من الشاذ؛ أعني " مصايب " ؛ وهذا عندي إنما هو بدل من الواو المكسورة؛ كما قالوا - في " وسادة " - : " إسادة " ؛ إلا أن هذا البدل في المكسورة يقع أولا؛ كما يقع في المضمومة؛ نحو : " أقتت " ؛ وإنما هو من " الوقت " ؛ والمضمومة تبدل في غير أول؛ نحو : " أدور " ؛ يقولون : " أدؤر " ؛ فحملوا المكسورة على ذلك. [ ص: 321 ] ولا أعلم أحدا فسر ذلك غيري؛ وهو أحسن من أن يجعل الشيء خطأ؛ إذ نطقت به العرب ؛ وكان له وجه من القياس؛ إلا أنه من جنس البدل الذي إنما يتبع فيه السماع؛ ولا يجعل قياسا مستمرا؛ فأما ما رواه نافع من " معائش " ؛ بالهمز؛ فلا أعرف له وجها؛ إلا أن لفظ هذه الياء التي من نفس الكلمة أسكن في " معيشة " ؛ فصار على لفظ " صحيفة " ؛ فحمل الجمع على ذلك؛ ولا أحب القراءة بالهمز؛ إذ كان أكثر الناس إنما يقرؤون بترك الهمز؛ ولو كان مما يهمز لجاز تحقيقه؛ وترك همزه؛ فكيف وهو مما لا أصل له في الهمز; وهو كتاب الله - عز وجل - الذي ينبغي أن يقال فيه إلى ما عليه الأكثر؛ لأن القراءة سنة؛ فالأولى فيها الاتباع؛ والأولى اتباع الأكثر؛ وزعم الأخفش أن " مصائب " ؛ إنما وقعت الهمزة فيها بدلا من الواو؛ أعلت في " مصيبة " ؛ وهذا رديء؛ لا يلزم أن أقول - في " مقام - : " مقائم " ؛ وفي " معونة " : معائن " .

التالي السابق


الخدمات العلمية