معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - جل وعز - : ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ؛ زعم الأخفش أن " ثم " ؛ ههنا؛ في معنى الواو؛ وهذا خطأ؛ لا يجيزه الخليل؛ وسيبويه ؛ وجميع من يوثق بعربيته؛ إنما " ثم " ؛ للشيء الذي يكون بعد المذكور قبله لا غير؛ وإنما المعنى في هذا الخطاب ذكر ابتداء خلق آدم أولا؛ فإنما المعنى : " إنا بدأنا خلق آدم ثم صورناه " ؛ فابتداء خلق آدم التراب؛ الدليل على ذلك قوله - عز وجل - : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ؛ فبدأ الله خلق آدم ترابا؛ وبدأ خلق حواء من ضلع من أضلاعه؛ ثم [ ص: 322 ] وقعت الصورة بعد ذلك؛ فهذا معنى " خلقناكم ثم صورناكم " ؛ أي : هذا أصل خلقكم؛ ثم خلق الله نطفا؛ ثم صوروا؛ فـ " ثم " ؛ إنما هي لما بعد. وقوله - جل وعز - : ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ؛ أي : بعد الفراغ من خلق آدم أمرت الملائكة بالسجود؛ وقوله : إلا إبليس لم يكن من الساجدين ؛ استثناء ليس من الأول؛ ولكنه ممن أمر بالسجود؛ الدليل على ذلك قوله : ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ؛ فدل بقوله : إذ أمرتك ؛ أن إبليس أمر بالسجود؛ مع الملائكة؛ ومعنى ما منعك ألا تسجد ؛ إلغاء " لا " ؛ وهي مؤكدة؛ المعنى : " ما منعك أن تسجد " ؛ فمسألته عن هذا - والله قد علم ما منعه - توبيخ له؛ وليظهر أنه معاند؛ وأنه ركب المعصية خلافا لله؛ وكل من خالف الله في أمره فلم يره واجبا عليه كافر بإجماع؛ لو ترك تارك صلاة قال : إنها لا تجب؛ كان كافرا بإجماع الأمة؛ فأعلم الله - جل ثناؤه - أن معصية إبليس معصية معاندة وكفر؛ وقد أعلم الله أنه من الكافرين؛ فقال : إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ؛ فالفصل بين معصية إبليس؛ ومعصية آدم وحواء؛ أن إبليس عاند؛ وأقام؛ ولم يتب؛ وأن آدم وحواء اعترفا بالذنب؛ وقالا : ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين

التالي السابق


الخدمات العلمية