معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله : فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ؛ معناه : إنه أضل فريقا؛ حق عليهم الضلالة؛ ثم قال : إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ؛ ولو قرئت : " أنهم اتخذوا الشياطين " ؛ لكانت تجوز؛ ولكن الإجماع على الكسر؛ وقوله : ويحسبون أنهم مهتدون ؛ يدل على أن قوما ينتحلون الإسلام؛ ويزعمون أن من كان كافرا؛ وهو لا يعلم أنه كافر؛ فليس بكافر؛ مبطلون لأمر نحلتهم؛ لأن الله - جل ثناؤه - قد أعلمنا أنهم يحسبون أنهم مهتدون؛ ولا اختلاف بين أهل اللغة في أن الحسبان ليس تأويله غير ما يعلم من معنى " حسب " ؛ والدليل على أن الله قد سماهم بظنهم " كفرة " ؛ قوله - عز وجل - : وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ؛ فأعلم أنهم بالظن كافرون؛ وأنهم معذبون. [ ص: 332 ] وقوله : يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ؛ هذا أمر بالاستتار في الصلوات؛ وكان أهل الجاهلية يطوفون عراة؛ ويقولون : لا نطوف حول البيت في ثياب قد أذنبنا فيها؛ وكانت المرأة تطوف عريانة أيضا؛ إلا أنها كانت تشد في حقويها أشياء من سيور مقطعة؛ تسمي العرب ذلك " الرهط " ؛ قالت امرأة تطوف وعليها رهط :


اليوم يبدو بعضه أو كله ... فما بدا منه فلا أحله



تعني الفرج؛ لأن السيور لا تستر سترا تاما؛ فأمر الله بعد ذكره عقوبة آدم ؛ وحواء؛ في أن بدت لهما سوءاتهما؛ بالاستتار في وقت كل صلاة؛ بعد أن أعلم أن التعري وظهور السوءة مكروه من لدن آدم ؛

التالي السابق


الخدمات العلمية