معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله ؛ القراءة على ضربين: " تعبدون " ؛ و " يعبدون " ؛ بالياء؛ والتاء؛ وقد روي وجه ثالث لا يؤخذ به؛ لأنه مخالف للمصحف؛ قرأ ابن مسعود : " لا تعبدوا " .

ورفع " لا تعبدون " ؛ بالتاء على ضربين؛ على أن يكون " لا " ؛ جواب القسم؛ لأن أخذ الميثاق بمنزلة القسم؛ والدليل على ذلك قوله: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ؛ فجاء جواب القسم باللام؛ فكذلك هو بالنفي ب " لا " ؛ ويجوز أن يكون رفعه على إسقاط " أن " ؛ على معنى " ألا تعبدوا " ؛ فلما سقطت " أن " ؛ رفعت؛ وهذا مذهب الأخفش ؛ وغيره من النحويين؛ فأما القراءة بالتاء؛ فعلى معنى الخطاب؛ والحكاية؛ كأنه قيل: " قلنا لهم: لا تعبدون إلا الله " ؛ وأما " لا يعبدون " ؛ بالياء؛ فإنهم غيب؛ وعلامة الغائب الياء. [ ص: 163 ] ومعنى أخذ الميثاق والعهد قد بيناه قبل هذا الموضع. وقوله - عز وجل -: وبالوالدين إحسانا ؛ نصب على معنى " وأحسنوا بالوالدين إحسانا " ؛ بدل من اللفظ " أحسنوا " ؛ و " ذي القربى واليتامى " ؛ جمع على " فعالى " ؛ كما جمع " أسير " ؛ على " أسارى " ؛ يقال: " يتم؛ ييتم؛ يتما؛ ويتما " ؛ إذا فقد أباه؛ هذا للإنسان؛ فأما غيره؛ فيتمه من قبل أمه؛ أخبرني بذلك محمد بن يزيد ؛ عن الرياشي ؛ عن الأصمعي : إن اليتيم في الناس من قبل الأب؛ وفي غير الناس من قبل الأم؛ و " المساكين " ؛ مأخوذ من " السكون " ؛ واحدهم " مسكين " ؛ كأنه قد أسكنه الفقر. وقوله - عز وجل -: وقولوا للناس حسنا ؛ فيها ثلاثة أقوال: " حسنا " ؛ بالتنوين؛ وإسكان السين؛ و " حسنا " ؛ بالتنوين؛ وفتح السين؛ وروى الأخفش : " حسنى " ؛ غير منون؛ فأما الوجهان الأولان؛ فقرأهما الناس؛ وهما جيدان بالغان في اللغة؛ وأما [ ص: 164 ] " حسنى " ؛ فكان لا ينبغي أن يقرأ به؛ لأنه باب " الأفعل " ؛ و " الفعلى " ؛ نحو: " الأحسن " ؛ و " الحسنى " ؛ و " الأفضل " ؛ و " الفضلى " ؛ لا يستعمل إلا بالألف واللام؛ كما قال الله - عز وجل -: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ؛ وقال: للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ؛ وفي قوله: " حسنا " ؛ بالتنوين؛ قولان: المعنى: قولوا للناس قولا ذا حسن؛ وزعم الأخفش أنه يجوز أن يكون " حسنا " ؛ في معنى " حسنا " ؛ فأما " حسنا " ؛ فصفة؛ المعنى: " قولا حسنا " ؛ وتفسير: وقولوا للناس حسنا ؛ مخاطبة لعلماء اليهود؛ قيل لهم: اصدقوا في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم.

وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ؛ اعلموا أنه قد أخذ عليهم الميثاق؛ وعهد عليهم فيه بالصدق في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم. وقوله - عز وجل -: ثم توليتم إلا قليلا منكم ؛ يعني أوائلهم الذين أخذ عليهم الميثاق؛ وقوله: وأنتم معرضون ؛ أي: وأنتم أيضا كأوائلكم في الإعراض عما عهد إليكم فيه؛ ونصب " إلا قليلا " ؛ على الاستثناء؛ والمعنى: " أستثني قليلا منكم " .

التالي السابق


الخدمات العلمية