معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله : ونادى أصحاب الأعراف ؛ اختلف الناس في أصحاب الأعراف؛ فقال قوم : " هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم؛ فلم يستحقوا الجنة بالحسنات؛ ولا النار بالسيئات " ؛ فكانوا على الحجاب الذي بين الجنة والنار؛ و " الأعراف " : أعالي السور؛ ويقال لكل عال : " عرف " ؛ وجمعه " أعراف " . [ ص: 343 ] ويجوز أن يكون - والله أعلم - " على الأعراف " ؛ على معرفة أهل الجنة؛ وأهل النار؛ هؤلاء الرجال؛ فقال قوم ما ذكرنا؛ وأن الله يدخلهم الجنة؛ وقال قوم : " أصحاب الأعراف " : أنبياء؛ وقال قوم : ملائكة؛ ومعرفتهم كلا بسيماهم؛ يعرفون أصحاب الجنة بأن سيماهم إسفار الوجوه؛ والضحك؛ والاستبشار؛ كما قال - عز وجل - : وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ؛ ويعرفون أصحاب النار بسيماهم؛ وسيماهم اسوداد الوجوه؛ وغبرتها؛ كما قال - جل وعز - : يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ؛ و ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة ؛ و " القترة " : كالدخان؛ وقوله : ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون ؛ هذا - والله أعلم - خطاب أصحاب الأعراف لأهل النار؛ وقرئت : " تستكثرون " ؛ بالثاء؛ وأما قوله : أهؤلاء الذين أقسمتم ؛ يعني أهل الجنة؛ كأنه قيل لهم : " يا أهل النار؛ أهؤلاء الذين حلفتم؛ لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ؛ وإن شئت بالفتح : " لا خوف عليكم " ؛ فجائز أن يكون " ادخلوا الجنة " ؛ خطابا من أصحاب الأعراف لأهل [ ص: 344 ] الجنة؛ لأن كل ما يقوله أصحاب الأعراف فعن الله (تعالى)؛ وجائز أن يكون خطابا من الله - عز وجل - لأهل الجنة؛ وقوله : ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ؛ فأعلم الله - عز وجل - : أن ابن آدم غير مستغن عن الطعام والشراب؛ وإن كان معذبا؛ فأعلمهم أهل الجنة أن الله حرمها على الكافرين؛ يعنون أن الله حرم طعام أهل الجنة؛ وشرابهم على أهل النار؛ لأنهم إنما يشربون الحميم الذي يصهر به ما في بطونهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية