معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: وإذا قيل لهم آمنوا بما أنـزل الله ؛ أي: بالقرآن الذي أنزل الله على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قالوا نؤمن بما أنـزل علينا ؛ وقد بين الله أنهم غير مؤمنين بما أنزل عليهم؛ وقد بينا ذلك فيما مضى؛ وقوله (تعالى): ويكفرون بما وراءه وهو الحق ؛ معناه: ويكفرون بما بعده؛ أي: بما بعد الذي أنزل عليهم؛ وهو الحق مصدقا لما معهم ؛ فهذا يدل على أنهم قد كفروا بما معهم؛ إذ كفروا بما يصدق ما معهم.

نصب " مصدقا " ؛ على الحال؛ وهذه حال مؤكدة؛ زعم سيبويه؛ والخليل ؛ وجميع النحويين الموثوق بعلمهم؛ أن قولك: " هو زيد قائما " ؛ خطأ؛ لأن قولك: " هو زيد " ؛ كناية عن اسم متقدم؛ فليس في الحال فائدة؛ لأن الحال توجب ههنا أنه إذا كان قائما فهو زيد؛ فإذا ترك القيام؛ فليس بزيد؛ وهذا خطأ؛ فأما قولك: " هو زيد معروفا " ؛ و " هو الحق مصدقا " ؛ ففي الحال فائدة؛ كأنك قلت: " انتبه له معروفا " ؛ وكأنه بمنزلة قولك: " هو زيد حقا " ؛ ف " معروفا " ؛ حال؛ لأنه إنما يكون زيدا؛ لأنه يعرف بزيد؛ وكذلك " الحق " ؛ القرآن هو الحق؛ إذ كان مصدقا لكتب الرسل. [ ص: 175 ] أكذبهم الله في قولهم: " نؤمن بما أنزل علينا " ؛ فقال: قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ؛ أي: أي كتاب جوز فيه قتل نبي؟! وأي دين؛ وإيمان جوز فيه ذلك؟! فإن قال قائل: " فلم قيل لهم: ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل )؛ وهؤلاء لم يقتلوا نبيا قط؟ " ؛ قيل له: قال أهل اللغة في هذا قولين؛ أحدهما: إن الخطاب لمن شوهد من أهل مكة؛ ومن غاب؛ خطاب واحد؛ فإذا قتل أسلافهم الأنبياء؛ وهم مقيمون على ذلك المذهب؛ فقد شركوهم في قتلهم؛ وقيل أيضا: لم رضيتم بذلك الفعل؟ وهذا القول الثاني يرجع إلى معنى الأول؛ وإنما جاز أن يذكر هنا لفظ الاستقبال؛ والمعنى المضي؛ لقوله: " من قبل " ؛ ودليل ذلك قوله: قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم ؛ فقوله: " فلم تقتلون " ؛ بمنزلة " فلم قتلتم " ؛ وقيل في قوله: " إن كنتم مؤمنين " ؛ قولان؛ أحدهما: " ما كنتم مؤمنين " ؛ وقيل: " إن إيمانكم ليس بإيمان " ؛ و " الإيمان " ؛ ههنا؛ واقع على أصل العقد؛ والدين؛ فقيل لهم: " ليس إيمان إيمانا " ؛ إذا كان يدعو إلى قتل الأنبياء.

التالي السابق


الخدمات العلمية