معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله : والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين ؛ " الذين " ؛ في موضع رفع؛ وفيها قولان؛ أعني في " إنا لا نضيع أجر المصلحين " ؛ قال قوم : " إنا لا نضيع أجر المصلحين منهم " ؛ وهو الذي نختار؛ [ ص: 389 ] لأن كل من كان غير مؤمن وأصلح فأجره ساقط؛ قال الله - جل وعز - : الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم ؛ وقال : وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية ؛ فالمعنى : " والذين يمسكون بالكتاب " ؛ أي : يؤمنون به؛ ويحكمون بما فيه؛ إنا لا نضيع أجر المصلح منهم؛ والمصلح المقيم على الإيمان؛ المؤدي فرائضه اعتقادا وعملا؛ ومثله : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ؛ أي : لا نضيع أجر من أحسن منهم عملا؛ وقال قوم : " المصلحون " ؛ لفظ يخالف لفظ الأول؛ ومعناه معنى الأول؛ فعاد الذكر في المعنى؛ وإن لم يكن عائدا في اللفظ؛ ولا يجيز هؤلاء " زيد قام أبو عمرو " ؛ لأن أبا عمرو لا يوجبه لفظ " زيد " ؛ فإن قال قائل : " المؤمن أنا أكرم من اتقى الله " ؛ جاز؛ لأن معنى " من اتقى الله " ؛ معنى " المؤمن " ؛ فقد صار بمنزلة قولك : " زيد ضربته " ؛ لأن الذكر إذا تقدم فالهاء عائدة عليه؛ لا محالة؛ وإن كان لفظها غير لفظه؛ لأن ضمير الغائب لا يكون إلا " هاء " ؛ في النصب.

التالي السابق


الخدمات العلمية