معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ؛ يعني به علماء اليهود هؤلاء؛ المعنى: إنك تجدهم في حال دعائهم إلى تمني [ ص: 178 ] الموت أحرص الناس على حياة؛ ومعنى " لتجدنهم " : " لتعلمنهم " ؛ ومعنى ومن الذين أشركوا ؛ أي: ولتجدنهم أحرص من الذين أشركوا؛ وهذا نهاية في التمثيل؛ والذين أشركوا هم المجوس؛ ومن لا يؤمن بالبعث. وقوله - عز وجل -: يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ؛ ذكرت ال " ألف " ؛ لأنها نهاية ما كانت المجوس تدعو به لملوكها؛ كان الملك يحيا بأن يقال: " عش ألف نيروز؛ وألف مهرجان " ؛ يقول: فهؤلاء الذين يزعمون أن لهم الجنة؛ وأن نعيم الجنة له الفضل؛ لا يتمنون الموت؛ وهم أحرص ممن لا يؤمن بالبعث؛ وكذلك يجب أن يكون هؤلاء؛ لأنهم كفار بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وهو عندهم حق؛ فيعلمون أنهم صائرون إلى النار؛ لا محالة؛ فهم أحرص لهذه العلة؛ ولأنهم يعلمون أنهم لو تمنوا الموت لماتوا؛ لأنهم علموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حق؛ لولا ذلك لما أمسكوا عن التمني؛ لأن التمني من واحد منهم كان يثبت قولهم؛ وإنما بالغنا في شرح هذه الآيات لأنها نهاية في الاحتجاج في تثبيت أمر النبي - صلى الله عليه وسلم. وقوله - عز وجل -: وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ؛ هذا كناية عن أحدهم؛ الذي جرى ذكره؛ كأنه قال: " وما أحدهم بمزحزحه من العذاب تعميره " ؛ ويصلح أن تكون " هو " ؛ كناية عما جرى ذكره من طول العمر؛ فيكون: " وما تعميره بمزحزحه من العذاب " ؛ ثم جعل " أن يعمر " ؛ مبنيا عن " هو " ؛ كأنه قال: " ذلك الذي ليس بمزحزحه؛ أن يعمر " ؛ [ ص: 179 ] وقد قال قوم: إن " هو " ؛ لمجهول؛ وهذا عند قوم لا يصلح في " ما " ؛ إذا جاء في خبرها الباء مع الجملة؛ لا يجيز البصريون: " ما هو قائما زيد " ؛ يريدون: " ما الأمر قائما زيد " ؛ و " لا كان هو قائما زيد " ؛ يريدون: " كان الأمر قائما زيد " ؛ وكذلك لا يجيزون " ما هو بقائم زيد " ؛ يريدون: " ما الأمر... " . وقوله - عز وجل -: والله بصير بما يعملون ؛ شرحه تقدم في الآية التي قبل هذه؛ وتقول في " يود " : " وددت الرجل؛ أوده؛ ودا " ؛ أو " ودادا؛ ومودة؛ وودادة " ؛ وحكى الكسائي : " وددت الرجل " ؛ والذي يعرفه جميع الناس: " وددته " ؛ ولم يحك إلا ما سمع؛ إلا أنه سمع ممن لا يجب أن يؤخذ بلغته؛ لأن الإجماع على تصحيح " أود " ؛ و " أود " ؛ لا يكون ماضيه " وددت " ؛ فالإجماع يبطل " وددت " ؛ أعني الإجماع في قولهم: " أود " .

التالي السابق


الخدمات العلمية