صفحة جزء
مثل من يقرأ القرآن من غير تدبر

ومثل من يقرؤه من غير تدبر كجرس على بعير فالسائق للجمال تسير من أمامه بصوت ذلك الجرس لثقالتها ليس عندهم إلا ذلك الصوت في أسماعهم مثل التالي لكتاب الله

ومثل التالي لكتاب الله تعالى مثل رجل طاهر طيب له محبوب له حنين إليه أخذ حبه قلبه وهو به مشغوف يمضغ شيئا في فمه فإذا وجد ذلك الشيء في فمه كيف يلتذ به وكيف يجد حلاوته في حلقه وصدره فلا يمل من مضغه وازدراد ريقه [ ص: 62 ] بذلك الشيء فكذا التالي لكتاب الله تعالى إذا فكر أن هذا كلام تكلم به رب العالمين وأنزله ومكن له في صدري حتى تردد واستقر وأقدرني .على استخراجه من صدري حتى اختلج به لساني مستعينا بالحنك والأسنان والشفتين فتردد كلمه المنزل الذي تكلم به وأنزله فيما بين صدري وشفتي وقرت عينه بهذه الفكرة والتدبر وابتدأ بترددها في فمه ولسانه وحلقه وشفتيه هذا من قبل أن يشتغل بلطائفه ومعانيه قال الله عز وجل (إنه لقرآن كريم وقال بل هو قرآن مجيد وقال وإنه لكتاب عزيز ومهيمن فوصف كلامه بالكرم والمجد والعز والهيمنة

فأما كرمه فمن سهولته الممزوجة باللطف والتقريب والتعليل وأما مجادته ففي الأمر والنهي وأما عزه ففي شرف الألفاظ وأما هيمنته ففي نفي الأشباه ونزاهة القلوب

التمثيل والتشبيه

فإن نفر نافر من هذا فقال أليس هذا تشبيه قيل له هذا تمثيل وليس بتشبيه قال والتمثيل أن تصف شيئا غاب عنك فتمثل له في الشاهد ليقف على ما يؤدي معنى الغائب

[ ص: 63 ] قال مثل ماذا قال جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (لما كلم الله تعالى موسى عليه السلام يوم الطور ورجع إلى بني إسرائيل رأوا على وجهه من النور والبهاء ما لم يروه قبل ذلك فقام إليه اثنا عشر سبطا فقالوا يا موسى إنك سمعت كلام ربك فصفه لنا فقال سبحان الله إنه لا يوصف قالها ثلاث مرات قالوا فشبهه لنا فقال سبحان الله إنه لا يشبه شيئا ثلاث مرات قالوا يا موسى فبين لنا منه شيئا نفهم قال سمعت كلام ربي لا ريبة فيه ولا شبهة كأشد رعد خلقه الله في أشد صواعق خلقها الله في أحلى حلاوة منطق ما خطر على قلب بشر قط فقلت يا رب أهكذا كلامك قال لا يا موسى إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسن كلها ولو كلمتك بكنه كلامي لم تك شيئا روي عن الحويرث أنه قال كلم الله موسى عليه السلام بقدر ما أطاق ولو كلمه بغير ذلك لم يطق فليس هذا بتشبيه فقد [ ص: 64 ] علم المؤمنون الذين عرفوا الله صدقا ويقينا أن كلامه لا يشبه كلام المخلوقين ولكن حلاوة الكلام وبركة الكلام وذوق الكلام واصل إلى قلوب الموحدين فهيج أنوار المعرفة والتوحيد من معدنها ثم أخلص إليها من الحلاوة والبركة والذوق ولكل هيج معمل ولكل معمل ثمرة ولكل ثمرة طعم ولذة سوى المنفعة وإنما أسمع الله تعالى كلمه موسى صلوات الله عليه لاختصاصه بذلك فلو لم يكن له حلاوة ولذاذة ما نفعته هذه الخصوصية وطعمه ولذته

وروي في الخبر أنه قال يا موسى إني متوفيك قال موسى يا رب من يغسلني قال بحسبك طهري قال يا رب من يبكي علي قال الجن والشجر

أفلا ترى أن كلامه قد طهره ومن دون هذا نودي عملا

التالي السابق


الخدمات العلمية