صفحة جزء
الفرح بتوبة العبد

كان بدء أمرهم من حبه لهم والفرح بهم ألا ترى إلى قول [ ص: 105 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم (لله أفرح بتوبة العبد من فرح رجل أضل راحلته في مفازة مهلكة عليها زاده وحمولته فهو يضرب يمينا وشمالا في طلبها حتى أيس منها وأشرف على الهلكة فقال في نفسه أرجع إلى حيث افتقدته فأموت هناك فرجع فوجد بعيره عليه زاده وحمولته فجعل يهلك من الفرح فيقول لله تعالى أنت ربي وأنا عبدك ثلاثا قالوا يا رسول الله هل بهذا فرحا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لله أفرح بتوبة العبد من هذا ببعيره

فبدء شأن المؤمن فرح الله به وحبه له من ها هنا خرج وظهر أمره في البدء فهذا سر الله فيما بينه وبين عبده وضعه في باطن معرفته فهو يحبه ويخافه ويرجوه ويخشاه فهذا كله نظام واحد عند العامة ولكن خاصة الناس لما اختصهم بالرحمة التي اختص بها الموحدين حتى نالوا توحيده .ثم أولج الخاصة بباب الرحمة حتى دخلوها فوصلوا إلى الرحمة العظمى التي خرجت [ ص: 106 ] منها هذه المائة الرحمة التي كتبها على نفسه لعباده وفي تلك الرحمة حبه فلما دخلوها ووصلوا إلى تلك الرحمة العظيمة غرقوا فيها وفيها حبه ومشيئته ففتح لهم باب المشيئة وأنالهم من حبه فلما فتح لهم باب حبه علقت قلوبهم وولهت قلوبهم عن كل شيء سواه وتشبثت النفس بتلك الحلاوة التي نالت فعندها انقطعت الأسباب والعلائق وتطهروا من أدناسها بوصولهم إلى مقامهم في القرب فلما تطهروا تقدسوا بقدس قربة القدوس فلما تقدسوا خلصوا إلى فردانيته فانفردوا به فعندها جاز لهم أن يقولوا يا واحدي فإذا قال صدق وأجيب وكان من أهل القبضة

التالي السابق


الخدمات العلمية