صفحة جزء
17- وأما قوله: (أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء) فقد قرأهما قوم مهموزتين جميعا، وقالوا : (سواء عليهم أأنذرتهم)

[ ص: 45 ] ، (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) وقالوا (أإذا) : (أإنا) ؛ كل هذا يهمزون فيه بـ "همزتين". وكل هذا ليس من كلام العرب إلا شاذا.

ولكن إذا اجتمعت همزتان من كلمتين شتى؛ ليس بينهما شيء؛ فإن إحداهما تخفف في جميع كلام العرب إلا في هذه اللغة الشاذة القليلة، وذلك أنه إذا اجتمعت همزتان في كلمة واحدة أبدلوا الآخرة منهما أبدا فجعلوها: إن كان ما قبلها مفتوحا ألفا ساكنة، نحو: "آدم" و "آخر" و "آمن". وإن كان ما قبلها مضموما جعلت واوا نحو: "أوزز" إذا أمرته أن يؤز. وإن كان ما قبلها مكسورا جعلت ياء نحو: "إيت".

وكذلك إن كانت الآخرة متحركة بأي حركة كانت، والأولى مضمومة أو مكسورة فالآخرة تتبع الأولى، نحو: "أنا أفعل" من "آب" [ف] تقول: "أووب". ونحو: "جاء في الرفع والنصب والجر، فأما المفتوحة فلا تتبعها الآخرة إذا كانت متحركة؛ لأنها لو تبعتها جعلت همزة مثلها، ولكن تكون على موضعها، فإن كانت مكسورة جعلت ياء، وإن كانت مضمومة جعلت واوا، وإن كانت مفتوحة جعلت أيضا واوا؛ لأن الفتحة تشبه الألف. وأنت إذا احتجت إلى حركتها

[ ص: 46 ] جعلتها واوا؛ ما لم يكن لها أصل في الياء معروف؛ فهذه الفتحة ليس لها أصل في الياء فجعلت الغالب عليها الواو نحو: "آدم" و "أوادم". فلذلك جعلت الهمزتان إذا التقتا، وكانتا من كلمتين شتى؛ مخففة إحداهما، ولم يبلغ من استثقالهما ما أن تجعلا مثل المجتمعتين في كلمة واحدة؛ ولأن اللتين في كلمة واحدة لا تفارق إحداهما صاحبتها. وهاتان تتغيران عن حالهما، وتصير كل واحدة منهما على حيالها أثقل منهما في كلمتين لأن ما في الكلمتين كل واحدة على حيالها؛ فتخفيف الآخرة أقيس، كما أبدلوا الآخرة حين اجتمعتا في كلمة واحدة.

وقد تخفف الأولى، فمن خفف الآخرة في

قوله: (كمآ آمن السفهاء ألا) قال: (السفهاء ولا) فجعل "الألف" في (ألا) واوا، ومن خفف الأولى جعل "الألف" التي في (السفهاء) كالواو وهمز ألف (ألا).

وأما : (أأنذرتهم) فإن الأولى لا تخفف؛ لأنها أول الكلام. والهمزة إذا كانت أول الكلام لم تخفف؛ لأن المخففة ضعفت حتى صارت كالساكن فلا يبتدأ بها.

وقد قال بعض العرب (آإذا) و (آأنذرتهم) و "آأنا قلت لك كذا وكذا" فجعل ألف الاستفهام إذا ضمت إلى همزة يفصل بينها وبينها بألف لئلا تجتمع الهمزتان.

كل ذا قد قيل وكل ذا قد قرأه الناس.

[ ص: 47 ] وإذا كانت الهمزة ساكنة فهي - في لغة هؤلاء الذين يخففون - إن كان ما قبلها مكسورا [جعلوه] ياء، نحو : (أنبيهم بأسمائهم) ونحو (نبنا). وإن كان مضموما جعلوه واوا نحو: "جونة"، وإن كان ما قبلها مفتوحا جعلوه ألفا نحو: "راس" و "فاس". وإن كانت همزة متحركة بعد حرف ساكن حركوا الساكن بحركة ما بعده وأذهبوا الهمزة؛ يقولون: "في الأرض": (فلرض) و: (ما لكم من إله) : (منله) يحركون الساكن بالحركة التي كانت في الهمزة أي حركة كانت ويحذفون الهمزة.

وإذا اجتمعت همزتان من كلمتين شتى؛ الأولى مكسورة والآخرة

[ ص: 48 ] مكسورة، فأردت أن تخفف الآخرة جعلتها بين الياء الساكنة وبين الهمزة؛ لأن الياء الساكنة تكون بعد المكسورة نحو: "هاؤلاء يما الله"، تجعل الآخرة بين بين والأولى محققة.

وإن كانت الآخرة مفتوحة نحو: "هؤلاء أخواتك"، أو مضمومة نحو: "هؤلاء أمهاتك" لم تجعل بين بين، وجعلت "ياء" خالصة، لانكسار ما قبلها لأنك إنما تجعل المفتوح بين "الألف" الساكنة وبين الهمزة، والمضموم بين الواو الساكنة وبين الهمزة إذا أردت بين بين، وهذا لا يثبت بعد المكسور.

وإن كان الأول مهموزا أو غير مهموز فهو سواء إذا أردت تخفيف الآخرة ومن ذلك قولهم: "ميرة ومير" في قول من خفف. وإن كان الحرف مفتوحا بعده همزة مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة جعلت بين بين؛ لأن المفتوح تكون بعده "الألف" الساكنة والياء الساكنة، نحو: "البيع" والواو الساكنة نحو: "القول" وهذا مثل : (يتفيؤ ظلاله) و: (يمسك السماء أن تقع على الأرض) و : (آإذا) و : (آإنا) إذا خففت الآخرة في كل هذا جعلتها بين بين.

[ ص: 49 ] والذي نختار تخفيف الآخرة إذا اجتمعت همزتان، إلا أنا نحققهما في التعليم كلتيهما؛ نريد بذلك الاستقصاء.

وتخفيف الآخرة قراءة أهل المدينة، وتحقيقهما جميعا قراءة أهل الكوفة وبعض أهل البصرة .

ومن زعم أن الهمزة لا تتبع الكسرة إذا خففت وهي متحركة، وإنما تجعل في موضعها دخل عليه أن يقول: "هذا قارو" و "هؤلاء قاروون" و (يستهزؤون).

وليس هذا كلام من خفف من العرب إنما يقولون : (يستهزئون) و : (قارئون) .

وإذا كان ما قبل الهمزة مضموما وهي مضمومة، جعلتها بين بين. وإن كانت مكسورة أو مفتوحة؛ لم تكن بين بين وما قبلها مضموم؛ لأن المفتوح بين "الألف" الساكنة وبين الهمزة، والمكسورة بين الياء الساكنة وبين الهمزة.

وهذا لا يكون بعد المضموم، ولكن تجعلها واوا بعد المضموم؛ إذا كانت مكسورة أو مفتوحة؛ فتجعلها واوا خالصة؛ لأنهما يتبعان ما قبلهما نحو: "مررت بأكمو" و "رأيت أكموا" و "هذا غلاموبيك" تجعلها واوا إذا أردت التخفيف إلا أن تكون المكسورة مفصولة فتكون على موضعها؛ لأنها قد بعدت.

والواو قد تقلب إلى الياء مع هذا؛ وذلك نحو: "هذا غلاميخوانك"

[ ص: 50 ] و (لا يحيق المكر السيئ يلا).

وإذا كانتا في معنى "فعل" والهمزة في موضع العين جعلت بين بين؛ لأن الياء الساكنة تكون بعد الضمة في "قيل" يقولون: "قيل"، ومثل ذلك "سيل" و "ريس"، فجعلها بين بين إذا خففت، ويترك ما قبلها مضموما. وأما "رويس" فليست "فعل" وإنما هي "فعل" فصارت واوا لأنها بعد ضمة معها في كلمة واحدة.

التالي السابق


الخدمات العلمية