صفحة جزء
الوجه العاشر من وجوه إعجازه (اختلاف ألفاظه في الحروف وكيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما) وقد ألف الناس في هذا الفن تواليف كابن الجزري والشاطبي وغيرهما ممن لا نطول بذكرهم. وبالجملة فالقراءات السبع متواترة عند الجمهور. وقيل: بل مشهورة. [ ص: 122 ] وقال الزركشي: والتحقيق أنها متواترة عن الأئمة السبعة. أما تواترها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ففيه نظر، فإن إسنادهم بهذه القراءات السبعة موجود في كتب القراءات، وهي نقل الواحد عن الواحد. قلت: في ذلك نظر لما سيأتي، واستثنى أبو شامة الألفاظ المختلف فيها عن القراء، واستثنى ابن الحاجب ما كان من قبيل الأداء، كالمد والإمالة وتخفيف الهمزة. وقال غيره: الحق أن أصل المد والإمالة متواتر، ولكن التقدير غير متواتر للاختلاف في كيفيته، كذا قال الزركشي. قال: وأما أنواع تخفيف الهمزة فكلها متواترة. وقال ابن الجزري: لا نعلم أن أحدا تقدم ابن الحاجب إلى ذلك، وقد نص على تواتر ذلك كله أئمة الأصول، كالقاضي أبي بكر وغيره، وهو الصواب، لأنه إذا ثبت تواتر اللفظ ثبت تواتر هيئة أدائه، لأن اللفظ لا يقوم إلا به، ولا يصح إلا بوجوده. قال الكواشي: من المهم صرفة توجيه القراءات، وفائدته أن يكون دليلا على حسب المدلول عليه أو مرجحا، إلا أنه ينبغي التنبيه على شيء، وهو أنه قد ترجح إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحا يكاد يسقطها، وهذا غير مرض لأن كلا منهما متواتر. وقد حكى أبو عمر الزاهد في كتاب " اليواقيت " عن ثعلب أنه قال: إذا اختلف إعرابان في القرآن لم أفضل إعرابا على إعراب، فإذا خرجت إلى كلام الناس فضلت الأقوى. وقال أبو جعفر النحاس: السلامة عند أهل الدين - إذا صحت القراءتان - ألا يقال إحداهما أجود، لأنهما جميعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيأثم من قال ذلك، وإن كان رؤساء الصحابة ينكرون مثل هذا. وقال أبو شامة: أكثر المصنفون من الترجيح بين قراءة مالك وملك حتى إن [ ص: 123 ] بعضهم يبالغ إلى حد يسقط وجه القراءة الأخرى، وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين. انتهى. وقال بعضهم: توجيه القراءات الشاذة أقوى في الصناعة من توجيه المشهورة.

التالي السابق


الخدمات العلمية