صفحة جزء
[ ص: 392 ] ( فصل ) .

وإن منعه : عدو ، أو فتنة أو حبس : لا بحق : بحج أو عمرة ، فله التحلل ; [ ص: 393 ] إن لم يعلم به وأيس من زواله قبل فوته ، ولا دم [ ص: 394 ] بنحر هديه وحلقه ، [ ص: 395 ] ولا دم إن أخره ، ولا يلزمه طريق مخوف وكره إبقاء ، إحرامه ، وإن قارب مكة أو دخلها .


( فصل ) في موانع الحج والعمرة الطارئة بعد الإحرام .

ويقال للممنوع محصر والحصر ثلاثة أقسام : حصر عن البيت وعرفة معا ، وحصر عن البيت فقط ، وحصر عن عرفة فقط وبدأ بالأول فقال ( وإن منعه ) أي المحرم بحج أو عمرة ( عدو ) أي : كافر ( أو فتنة ) بين المسلمين ( أو حبس ) بفتح فسكون مصدر عطف على عدو أو بضم فكسر ماض مجهول عطف على منعه نائبه ضمير المحرم ( لا بحق ) بل ظلما كحبس مدين ثابت العسر ومفهومه أن من حبس بحق لا يتحلل لقدرته على تخليص نفسه بدفع الحق والخروج لتكميل حجه أو عمرته ، وظاهر كلام ابن رشد أن المعتبر في كون الحبس بحق ظاهر الحال وإن لم يكن حقا في نفس الأمر حتى إنه إن حبس بتهمة ظاهرة فلا يتحلل بالنية وإن كان علم براءة نفسه وهذا ظاهر المدونة والعتبية ابن عبد السلام وفيه عندي نظر ، وكان ينبغي أن يحال المرء على ما علمه من نفسه ; لأن الإحلال والإحرام من الأحكام التي بين العبد وربه وقبله في التوضيح . وظاهر الطراز يوافقه وتنازع منع وحبس ( بحج ) أي : فيه عن البيت وعرفة معا ( أو عمرة ) أي : فيها عن البيت . وجواب إن منعه عدو أو فتنة أو حبس لا بحق ( فله ) أي : الممنوع بما تقدم ( التحلل ) بل هو أفضل في حقه من بقائه على إحرامه ولو دخل مكة في أشهر الحج كما هو ظاهر إطلاقاتهم [ ص: 393 ] وأفاد شرط التحلل فقال ( إن لم يعلم ) المحرم حين أنشأ إحرامه ( به ) أي المانع من عدو وفتنة أو حبس ظلما ومفهومه أنه إن كان علمه حينه فليس له التحلل إلا أن يظن أنه لا يمنعه فمنعه فله التحلل كما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم أنه { أحرم عالما بالعدو بمكة ظانا أنه لا يمنعه فمنعه فلما منعه تحلل } ففي المفهوم تفصيل .

وعطف على لم يعلم فقال ( وأيس ) الممنوع حين المنع علما أو ظنا قويا ( من زواله ) أي : المنع ( قبل فوته ) أي : الحج . وأشعر كلامه بأنه أحرم بوقت يدرك فيه الحج لولا المانع ، فإن أحرم بوقت لا يدرك فيه الحج وإن لم يكن مانع فلا يتحلل لدخوله على بقائه على إحرامه للعام القابل يحتمل أن يتعلق قوله قبل فوته بالتحلل ردا لقول أشهب إنه لا يتحلل إلا بعد فوته يوم النحر ، ويحتمل تعلقه بزواله وعليهما فظاهر أنه يتحلل إذا أيس من زواله قبل فوته ولو بقي من الوقت ما لو زال المانع أدرك الحج .

وهو ظاهر أول كلامها والذي اختاره ابن يونس وسند ما في آخر كلامها وهو أنه لا يتحلل حتى يبقى زمن يخشى فيه فوات الحج ، وقالا إن كلامها الثاني يفسر الأول . الحطاب إذا علم أن هذا هو الراجح فينبغي حمل كلام المصنف عليه ، فمعنى وأيس من زواله إلخ أنه لم يبق بينه وبين ليلة النحر زمان يمكنه السير فيه إلى عرفة لو زال المانع والله أعلم .

واعلم أن قوله وأيس من زواله إلخ خاص بالحج ، وأما العمرة فقال في التوضيح قال ابن القاسم وليس للعمرة حد وإن لم يخش الفوت لقضية الحديبية . وقال عبد الملك يقيم ما رجا إدراكها ما لم يضره ذلك .

( و ) إن تحلل ف ( لا دم ) عليه لفوات الحج بحصر العدو على المشهور وأوجبه عليه أشهب لقوله تعالى { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } ، وتأوله ابن القاسم على المحصر بمرض ورده اللخمي بنزول الآية في قضية الحديبية ، وكان حصرها بعدو وبقوله تعالى { فإذا أمنتم } ، وهو إنما يكون من عدو [ ص: 394 ] وأجاب التونسي وابن يونس بأن الهدي فيها لم يكن لأجل الحصر وإنما كان بعضهم ساقه تطوعا فأمروا بتذكيته واستضعف قول أشهب بقوله تعالى { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } ، والمحصر بعدو يحلق أين كان كذا قالوا ، ولا يخفى عدم الرد بالآية الأخيرة على أشهب أفاده عب . البناني حاصل ما ذكره أن أشهب استدل على وجوب الهدي بآية ( فإن أحصرتم ) . وأجيب عن استدلاله بجوابين أحدهما للتونسي وابن يونس أن الهدي في الآية لم يكن لأجل الحصر إنما ساقه بعضهم تطوعا فلا دليل فيها على الوجوب .

الثاني أن الإحصار في الآية بالمرض لا بالعدو وهذا لابن القاسم ، وعزاه ابن عطية لعلقمة وعروة بن الزبير وغيرهما ، وقال والمشهور في اللغة أحصر بالمرض وحصر بالعدو ، وقال في قوله { فإذا أمنتم } قال علقمة وغيره المعنى فإذا برئتم من مرضكم . وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقتادة وغيرهما إذا أمنتم من خوفكم من العدو . ا هـ . وكون الآية نزلت بالحديبية لا يرد هذا التأويل خلافا للخمي ، بل يقوى تأويل ابن القاسم قوله تعالى { ولا تحلقوا رءوسكم } . وقوله ولا يخفى عدم الرد بالآية الأخيرة على أشهب إلخ فيه نظر بل الرد بها عليه قوي ظاهر .

والتحلل يكون ( بنحر هديه ) إن كان معه هدي ساقه عن سبب مضى أو تطوعا حيث كان إن لم يتيسر له إرساله لمكة غير مضمون فلا ضمان ، وإن كان مضمونا جرى على حكمه فإن قلنا يسقط الفرض عنه أجزأ وإلا فلا يسقط الهدي أيضا ( وحلقه ) رأسه ولا بد من نية التحلل بل هي كافية ، ففي الشامل وكفت نية التحلل على المشهور فلو نحر هديه وحلق رأسه ولم ينو التحلل فالباء في قوله ينحر إلخ بمعنى مع ، فيفيد كلامه أن التحلل بالنية مع الأمرين على سبيل الأكملية لا الشرطية ، وبهذا صرح في الطراز أيضا ومثل من حصر عنهما من حصر عن عرفة وهو في محل بعيد في التحلل بالنية والنحر والحلق . ابن عرفة إن حصر عن عرفة فقط وبعد عن مكة فقول اللخمي حل مكانه صواب [ ص: 395 ] ولا دم ) على المحصر عنهما ( إن أخره ) أي التحلل أو الحلق لبلده ; لأنه لما وقع في غير زمانه ومكانه لم يكن نسكا بل تحلل فقط ( ولا يلزمه ) أي : المحصر مطلقا ( طريق مخوف ) على نفس أو مال كثير أو يسير يمكث آخذه وهو يدرك الحج لولا المخوف فليس خاصا بالمحصر عنهما معا الذي الكلام فيه ، ومفهوم مخوف أنه يلزمه سلوك طريق مأمون وإن بعد إن اتسع الوقت لإدراك الحج ولم تعظم مشقتها ، وإلا لم يلزمه أيضا . قوله لا يلزمه أي : لا يجب عليه وما وراء ذلك شيء آخر ، وينبغي الحرمة لقوله تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } . وقوله مخوف كذا في نسخ أي : طريق يحصل فيه الخوف ، وأما الذي يخيف من نظره فيقال له مخيف فيما في بعض النسخ من مخيف يصح بارتكاب مجاز في الإسناد من إسناد ما للحال للمحل .

( وكره ) بضم فكسر لمن يتحلل بعمرة وهو من تمكن من البيت وفاته الوقوف بأمر غير ما تقدم من العدو والفتنة وحبسه ظلما ونائب فاعل كره ( إبقاء إحرامه ) بالحج لعام قابل بلا تحلل بعمرة حتى يتم حجه فيه ( إن قارب مكة أو دخلها ) ; لأنه لا يأمن على نفسه من مقاربة نساء وصيد فتحلله أسلم فالمناسب تأخير هذا عن قوله أو فاته الوقوف بغير كمرض أو خطأ عدد أو حبس بحق لم يحل إلا بفعل عمرة . وأما من يتحلل بالنية والنحر والحلق وهو المحصر عنهما الذي كلامه الآن فيه فتحلله أفضل مطلقا ولو بعد عن مكة . ابن غازي زاد أو دخلها وإن كان أحرى لئلا يتوهم تحريم إبقائه إن دخلها .

التالي السابق


الخدمات العلمية