صفحة جزء
وكره ذبح بدور حفرة ، وسلخ أو قطع قبل الموت ، كقول مضح ، اللهم منك وإليك ، [ ص: 436 ] وتعمد إبانة رأس . وتؤولت أيضا على عدم الأكل . إن قصده أولا .


( وكره ) بضم فكسر ( ذبح ) لحيوانات متعددة في وقت واحد ( بدور حفرة ) لعدم استقبال بعضها ولنظر بعضها بعضا ، ولها الهام فهو تعذيب لها فيها بلغ مالكا رضي الله تعالى عنه أن الجزارين يجتمعون على الحفرة يدورون بها فيذبحون حولها فنهاهم عن ذلك وأمرهم بتوجيهها إلى القبلة .

( و ) كره ( سلخ ) لجلد الحيوان عن لحمه قبل موته ; لأنه تعذيب ( أو قطع ) لشيء من الحيوان أو حرق لشيء منه بعد ذبحه أو نحره و ( قبل الموت ) لخبر النهي عنه وأن تترك حتى تبرد أي : تموت إلا السمك فيجوز إلقاؤه في النار قبل موته عند ابن القاسم ، وفي الشيخ سالم تكره عرقبة البقر ثم تذبح وإلقاء الحوت في النار حيا .

وشبه في الكراهة فقال ( كقول ) شخص ( مضح ) عند تذكية أضحيته ( اللهم ) أي : يا الله هذا ( من ) فضل ( ك ) ونعمتك لا من حولي وقوتي ( وإليك ) التقرب به لا إلى غيرك ممن سواك ولا رياء ولا سمعة إذا قاله على أنه سنة ، فإن قصد به مجرد الدعاء فلا [ ص: 436 ] يكره ويؤجر إن شاء الله تعالى ، وعلى هذا حمل ما ورد عن الإمام علي بن أبي طالب " رضي الله عنه " قاله ابن رشد ، واقتصر عليه الشارح ، وهو الظاهر ، ولا وجه لإبقاء المصنف على إطلاقه وجعله مخالفا .

( و ) كره ( تعمد ) بفتح المثناة والعين المهملة وضم الميم مشددة ( إبانة ) بكسر الهمز أي : فصل ( رأس ) عن بدن حال الذبح ; لأنه قطع قبل الموت وظاهره أن مجرد تعمدها مكروه ، وإن لم تحصل وهو خلاف ما فيها فلو قال وإبانة رأس عمدا لسلم من هذا ووفقها والكراهة والأكل على هذا سواء قصدها من أول التذكية أو في أثنائها أو بعد تمامها قبل الموت ; لأنه تعذيب ( وتؤولت ) بضم المثناة والهمز أي : حملت المدونة ( أيضا ) أي كما تؤولت على الكراهة والأكل مطلقا وهو الذي قدمه المصنف ( على عدم الأكل ) للحيوان الذي أبينت رأسه من جسده حال ذبحه ( إن قصده ) أي : الذابح الإبانة وذكر ضميرها ; لأنها بمعنى الفصل وصلة قصده قوله ( أولا ) بفتح الواو مشددا منونا أي : ابتداء وإبانة بالفعل ، فإن قصد ابتداء ذبحه ، ولما أتمه قصد الإبانة وأبانه فتوكل على هذا التأويل .

وقوله أيضا يفيد أنها تؤولت على الأول ، قال البدر : ولم أر من تأولها عليه وفي أحمد وتت ما يرد هذا ، ولم يقل تأويلان لرجحان الأول عنده ، ومفهوم تعمد أنه لا كراهة في النسيان والجهل فيها لمالك رضي الله تعالى عنه ومن ذبح فترامت يده إلى أن أبان الرأس أكلت إذا لم يتعمد ذلك قال ابن القاسم ولو تعمد هذا وبدأ في قطعه بالودجين والحلقوم أكلت لنخعه إياها بعد تمام الذبح وأبو الحسن قوله فترامت يده يدل على أنه لم يقصد قطع رأسها ابتداء ، وقوله إذا لم يتعمد قطع رأسها ابتداء ولم يرد إن تعمد الترامي ; لأنه مغلوب عليه . ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون : إذا نخعها في ذبحه متعمدا من غير جهل ولا [ ص: 437 ] نسيان فلا تؤكل ، قوله قال ابن القاسم : لو تعمد هذا إلخ في الأمهات سأل سحنون ابن القاسم عما إذا تعمد قطع رأسها ابتداء وهو مفهوم قول مالك " رضي الله عنه " إذا لم يتعمد فهل تؤكل في قول مالك " رضي الله عنه " أم لا فقال لم أسمع من مالك رضي الله تعالى عنه شيئا ثم قال من رأيه وأرى إن أضجعها وسمى الله وأجهز على الحلقوم والودجين أن تؤكل وهو كرجل ذبح فقطع رأسها قبل أن تزهق نفسها .

واختلف الشيوخ في قول ابن القاسم هل هو وفاق لقول مالك رضي الله تعالى عنهما أم لا ، فبعضهم حمل قول ابن القاسم على الخلاف ، إذ مفهوم قول مالك " رضي الله عنه " إن تعمد قطع رأسها لا تؤكل كقول مطرف وابن الماجشون ، وقد نص ابن القاسم على أنها تؤكل وهو الظاهر ، وحمل بعضهم قول ابن القاسم على الوفاق ، ورد قول مالك لقول ابن القاسم رضي الله تعالى عنهما وجعل مفهوم قول مالك " رضي الله عنه " معطلا . وحكي عن أبي محمد صالح الوفاق بوجه آخر قال لعل ابن القاسم أراد إن تعمد قطع رأسها بعد الذكاة ولم يقصده ابتداء ا هـ كلام أبي الحسن ابن عبد السلام فتحصل في المذهب ثلاثة أقوال ، أكلها سواء تعمد ذلك ابتداء أو ترامت يده ، وهذا مذهب ابن القاسم وأصبغ وأحد التأويلات لقول مالك " رضي الله عنه " ومقابله لا تؤكل فيهما ، وهو قول ابن نافع والتفصيل بين ترامي يده فتؤكل وتعمده ابتداء فلا تؤكل ، وهذا قول مطرف وابن الماجشون ، وأحد التأويلات لقول مالك " رضي الله عنه " وهو أقرب إلى الصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية