صفحة جزء
[ ص: 3 ] ( باب )

اليمين : تحقيق ما لم يجب بذكر اسم الله أو صفته : [ ص: 4 - 5 ] كبالله ، وهالله ، وأيم الله ، وحق الله ، والعزيز ، وعظمته ، وجلاله ، وإرادته ، وكفالته ، وكلامه ، والقرآن ، والمصحف .


[ ص: 3 ] ( باب ) في اليمين

( اليمين ) أي حقيقتها شرعا ( تحقيق ) أي تقرير وتقوية ( ما ) أي شيء ( لم يجب ) وقوعه عقلا ولا عادة بأن كان ممكنا فيهما كدخول الدار ، ولو وجب شرعا كصلاة الظهر أو امتنع شرعا كشرب مسكر أو في العقل دون العادة كشرب البحر ويحنث في هذا بمجرد اليمين ، إذ لا يتصور فيه إلا العزم على الضد لعدم قدرته على فعله ، أو ممتنعا فيهما كجمع الضدين ، ويحنث في هذا بمجردها أيضا لذلك . وخرج الواجب فيهما كتحيز الجرم أو في العادة فقط كطلوع الشمس من المشرق فتحقيق جنس ، وإضافته لما لم يجب فصل مخرج تحقيق الواجب عقلا وعادة أو عادة فقط .

وصلة تحقيق ( بذكر اسم الله ) وإضافة اسم الله استغراقية أي كل اسم من أسماء الله تعالى الحسنى ، سواء وضع لمجرد الذات كالله أو لها وصفة من صفاته تعالى كالرحمن والحي والخالق ( أو ) بذكر اسم ( صفته ) النفسية كوجود الله تعالى ، أو السلبية كوحدانيته تعالى . عج وشملت القدم والوحدانية من صفات السلب ، وانظر هل تشمل بقية صفات [ ص: 4 ] السلب . ا هـ . والذي لابن عاشر عن ابن عرفة أن الصفات السلبية لا تنعقد بها اليمين ، ويدل عليه كلام ابن رشد ، ففي سماع عيسى قال ابن القاسم في الذي يحلف بقوله لعمر الله وأيم الله أخاف أن يكون يمينا وقال أصبغ هو يمين .

ابن رشد قال : أخاف أن يكون يمينا لاختلاف العلماء في القدم والبقاء ، فمنهم من أوجبهما صفتين له تعالى ، ومنهم من نفى ذلك ، وقال : إنه باق لنفسه وقديم لنفسه لا لمعنى موجود قائم به وإن معنى القديم الذي لا أول لوجوده ، ومعنى الباقي المستمر الوجود فكأن ابن القاسم ذهب إلى القول الثاني وقال أخاف إلخ نظرا للقول الأول ، وذهب أصبغ إلى الأول فقال : إنه يمين ، ومثل ما في المدونة لابن القاسم أفاده البناني أو الذاتية كحياته تعالى لا الفعلية كالخلق ، وهذا فصل مخرج لتحقيق غير الواجب بتعليق نحو عتق أو نحو طلاق فلا يسمى يمينا عند المصنف .

وأراد بذكر اسم الله حقيقة أو حكما ليدخل فيها الصيغ الصريحة في القسم إذا نواه بها كأحلف وأقسم وأشهد إن قدر عقبها كلها بالله . وأفهم قوله بذكر اسم الله إلخ أن اليمين لا تنعقد بالكلام النفسي وهو الراجح . وقال ابن عرفة قيل : معناها ضروري لا يعرف ، والحق أنه نظري فاليمين قسم أو التزام مندوب غير مقصود به قربة أو ما يجب بإنشاء لا يفتقر لقبول معلق بأمر مقصود عدمه . ا هـ وهو مبني على قول الأكثر إن التعليق من اليمين فهو تعريف لليمين من حيث هي ، فخرج بقوله غير مقصود به القربة النذر كلله علي دينار صدقة ، فإن المقصود به القربة ، بخلاف اليمين نحو : إن دخلت الدار [ ص: 5 ] فعبدي فلان حر ، فإنه إنما قصد الامتناع من دخول الدار ، وغير بالرفع صفة التزام .

وخرج بقوله لا يفتقر لقبول نحو ثوبي صدقة مثلا على فلان ، وشمل قوله ما يجب بإنشاء المندوب نحو أنت حر إلا أنه تقدم فيقيد بما ليس بمندوب كالطلاق والظهار ، وقوله معلق إلخ بالرفع صفة ما يجب لأن ما نكرة موصوفة نحو أنت طالق إن دخلت الدار .

ومثل المصنف لليمين فقال ( كبالله ) والله وتالله ومثله الاسم المجرد من حرف القسم كالله لا فعلت أو لأفعلن ( وهالله ) بحذف حرف القسم أي الواو وإقامة ها التنبيه مقامه ( وأيم الله ) بفتح الهمز وكسره ، وكذا أم وكذا أصلهما وهو أيمن فهذه ستة وم ومن بتثليث الميم فيهما فهذه ثنتا عشرة لغة كل منها يمين كما صوبه ابن رشد ، ومعناها البركة القديمة فإن أريد بها الحادث لم تكن يمينا ، وإن لم يرد واحد منهما ففي كلام الآبي ما يفيد أنها يمين .

( وحق الله ) إن أراد عظمته أو استحقاقه الألوهية أو حكمه أو تكليفه أو لم يرد شيء ، فإن أريد به الحقوق التي له على عباده من العبادات التي أمرهم بها فليست بيمين ( والعزيز ) من عز يعز بفتح العين في المضارع أي الذي لا يغلبه شيء وقال ابن عباس " رضي الله عنه " الذي لا يوجد له مثل أو بكسرها أي الذي لا يكاد يوجد غيره ، كما قال الفراء وأل فيه للكمال أي الكامل العزة ، ويصح جعلها للعهد الحضوري ، وهذا ما لم يرد من جعله الله عزيزا من المخلوقين .

( وعظمته وجلاله ) إذا أريد بهما المعنى القديم وهو وصفه تعالى القديم الباقي ، فإن أريد عظمته وجلاله اللذان خلقهما في بعض مخلوقاته . فليستا بيمين ( وإرادته ) تعالى ولطفه وغضبه ورضاه ورحمته وميثاقه عند الأكثر كما في ابن عرفة إلا أن يريد الحادث في الخلق ( وكفالته ) أي التزامه تعالى ويرجع لكلامه القديم وهو من صفات المعاني .

( وكلامه والقرآن والمصحف ) إن نوى المعنى القديم الذي ليس بحرف ولا صوت [ ص: 6 ] أو لم ينو شيئا ، فإن نوى المنزل المؤلف من الحروف بالكلام والقرآن وبالمصحف الأوراق والكتابة والجلد الجامع لها فليست يمينا ، ومثل هذا يقال في الحلف بالكتاب وبما أنزل الله على المشهور . واتفقوا على تسمية المنزل المؤلف قرآنا واختلفوا في تسمية القديم به وأول من جمع القرآن أبو بكر رضي الله تعالى عنه وهو أول من سماه مصحفا

التالي السابق


الخدمات العلمية