صفحة جزء
وركنه ولي وصداق ومحل وصيغة بأنكحت [ ص: 267 ] وزوجت وبصداق وهبت وهل كل لفظ يقتضي البقاء مدة الحياة كبعت كذلك تردد [ ص: 268 ] وكقبلت وبزوجني فيفعل .


( وركنه ) أي النكاح عام للأركان الأربعة أو الخمسة بعد المحل ركنين بإضافته للضمير ، أي التي يتوقف وجوده عليها وإن لم تكن داخلة في ماهيته ( ولي ) للمرأة بشروطه الآتية فلا ينعقد نكاح بدونه ( وصداق ) بشروطه الآتية أيضا فلا ينعقد نكاح بإسقاطه ، ولا يشترط ذكره عند العقد لصحة نكاح التفويض والتحكيم ( ومحل ) أي زوج وزوجة معلومان خاليان من الموانع الشرعية كالإحرام والمرض ( وصيغة ) الحط الظاهر أن الزوج والزوجة ركنان والصيغة والولي شرطان ، وأما الصداق والشهود فلا ينبغي عدهما من أركانه ولا من شروطه لصحته بدونهما لأن المضر إسقاط الصداق ، والدخول بلا إشهاد ا هـ .

البناني فيه نظر لأن الزوجين ذاتان والنكاح معنى فلا يصح كونهما ركنين له ، وبهذا اعترض ابن عرفة على ابن شاس وابن الحاجب حيث جعلا أركان الطلاق الأهل والمحل والقصد ، فقال ما نصه وجعل ابن شاس وابن الحاجب تابعين للغزالي الكل أركانا له يرد بأنها خارجة عن حقيقته وكل خارج عن حقيقة شيء غير ركن له ا هـ . ولا يجاب عن الحط بأنه أطلق الركن مجازا على ما تتوقف عليه الماهية لأنا نقول تفصيله يمنع ذلك ، وإنما يجاب بذلك عمن لم يفصل كابن شاس وابن الحاجب والمصنف .

والحق والله أعلم أن المراد بالركن ما لا توجد الماهية الشرعية إلا به ، فتدخل الخمسة التي ذكرهاالمصنف كلها لأن العقد لا يتصور إلا من عاقدين وهما شرعا الولي والزوج ، [ ص: 267 ] وعلى معقود عليه وهي الزوجة والصداق ، فلا بد من وجوده وإن لم يجب ذكره ولا يتصور العقد إلا بصيغة وقد خصها الشارع بما ذكره ، وكلام الحط إنما يتنزل على الحقيقة اللغوية وليس الكلام عليها .

وبدأ بالكلام على الصيغة لقلته فقال ( بأنكحت ) أي هذا اللفظ من الولي ( وزوجت ) بفتح الزاي والواو مشددة والواو بمعنى أو فأحد اللفظين كاف ولو بدون ذكر صداق ( وبصداق وهبت ) الباء بمعنى مع داخلة على مضاف مقدر أي ذكر والجار والمجرور حال من وهبت المقصود لفظه المعطوف على أنكحت ، أي وبلفظ وهبت مع ذكر صداق حقيقة بأن قال وهبتها لك بربع دينار مثلا ، أو حكما بأن قال وهبتها لك تفويضا . فإن اقتصر على وهبت ولم يذكر صداقا لا حقيقة ولا حكما لم ينعقد كما في المدونة والتردد الآتي ضعيف كما في الشامل ، ويشترط اللفظ من القادر عليه وتقوم مقامه إشارة الأخرس أو كتابته .

( وهل كل لفظ يقتضي البقاء ) لملك الزوج عصمة الزوجة ( مدة الحياة ) لهما ( كبعت ) وتصدقت ومنحت وأعطيت وملكت وأحللت وأبحت ، وقصد به النكاح مع تسمية الصداق حقيقة أو حكما ( كذلك ) أي أنكحت وزوجت مطلقا ، ووهبت مع تسمية صداق في انعقاد النكاح بكل أو ليس كذلك فلا ينعقد النكاح به في الجواب ( تردد ) للمتأخرين في النقل عن المتقدمين الراجح منه عدم الانعقاد نقل الحط عن الشامل ، فإن لم يقصده أو لم يسمى صداقا فلا ينعقد به اتفاقا . ابن عرفة صيغته ما دل عليه كلفظ التزويج أو الإنكاح وفي قصرها عليهما نقلا الباجي عن ابن دينار مع المغيرة ومالك رضي الله تعالى عنهم ا هـ .

وفي التوضيح اختلفت طرق الشيوخ في نقل المذهب فيما عداهما ، أي أنكحت وزوجت فذهب ابن القصار وعبد الوهاب في الأشراف واللباب وابن العربي في أحكامه إلى أنه [ ص: 268 ] ينعقد بكل لفظ يقتضي التأبيد دون التوقيت . وذهب صاحب المقدمات إلى أنه لا ينعقد بما عدا أنكحت وزوجت إلا لفظ الهبة . فاختلف فيه قول مالك " رضي الله عنه " . ا هـ . فعلم أن التردد بين ابن القصار وابن رشد في جميع ما عدا أنكحت وزوجت ووهبت بصداق ، وقد قال ابن عرفة في كون الصدقة كالهبة ولغوها قول ابن القصار وابن رشد في جميع ما عدا أنكحت وزوجت ووهبت بصداق . ا هـ . فذكر التردد المذكور في لفظ الصدقة وقد صرح الحط بأن الصدقة داخلة في التردد ، قال وهو الذي يظهر من كلام الشامل .

( وكقبلت ) من الزوج والكاف للتمثيل مدخلة لما أشبه قبلت كرضيت ونفذت وأتممت فلا يشترط زيادة نكاحها كما في الجواهر ( و ) ينعقد النكاح ( ب ) قول الزوج ابتداء للولي ( زوجني فيفعل ) الولي بأن يقول له زوجتك أو فعلت فمتى تلفظ الولي أو الزوج بلفظ الإنكاح أو التزويج فيكفي أن يجيبه الآخر بما يدل على القبول بأي صيغة ، ومتى خلا لفظهما معا عنهما لم ينعقد إلا لفظ الهبة مع الصداق ، ودل إتيانه بالفاء على اشتراط الفور بين الإيجاب والقبول وصرح به في القوانين ويغتفر التفريق اليسير ونصه : والنكاح عقد لازم لا يجوز فيه الخيار خلافا لأبي ثور ، ويلزم فيه الفور في الطرفين فإن تأخر القبول يسيرا جاز ا هـ . وتقدم اغتفاره بالخطبة ولا يغتفر التفريق الكثير إلا في الإيصاء بالتزويج فيغتفر للإجماع وسيأتي قوله وصح إن مت فقد زوجت ابنتي إلخ . وفي النهاية لحفيد ابن رشد وأما تراخي القبول عن الإيجاب في العقد من الطرفين فأجازه مالك " رضي الله عنه " إن كان يسيرا ، ومنعه مطلقا الشافعي وأبو ثور رضي الله تعالى عنهما ، وأجازه مطلقا أبو حنيفة " رضي الله عنه " . والتفرقة بين الأمد الطويل واليسير لمالك " رضي الله عنه " ا هـ ومثله في المعيار من جواب البرجيني .

الحط وهذا ظاهر جار على قول ابن القاسم . وفي المعيار أيضا عن الباجي ما يقتضي الاتفاق على صحة النكاح مع تأخر القبول عن الإيجاب من الولي المجبر ، ومثله قول الشيخ أبي محمد بن أبي زيد في الرجل يقول زوجت ابنتي فلانا إن رضي أن له الرضا بإجماع . ابن غازي [ ص: 269 ] بعد نقله وقد قبل ما قاله أبو محمد ابن رشد وغيره وهو موافق لما قاله الباجي . ا هـ . وبهذا أفتى العبدوسي والقوري قائلا ليس عندنا في المسألة غير هذا إلا أن يتأول ما في القوانين بأن المراد الفور بين القبول وعلم الإيجاب ، أي العلم به فيرجع لما قاله الجماعة أفاده البناني . قلت الظاهر من كلام الجماعة أنه في الإيصاء بالتزويج فلا يخالف ما في القوانين والنهاية لأنه في العقد في الطرفين أي بين الولي والزوج الحاضرين بمجلس واحد كما أفاده عب والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية