صفحة جزء
وتجب بالعود ، وتتحتم بالوطء ، وتجب بالعود ولا تجزئ قبله . [ ص: 242 - 243 ] وهل هو العزم على الوطء ، أو مع الإمساك ؟ تأويلان وخلاف .


( وتجب ) كفارة الظهار وجوبا موسعا قابلا للسقوط ( بالعود ) للمظاهر منها ( وتتحتم ) أي تتخلد الكفارة في ذمة المظاهر ( بالوطء ) للمظاهر منها ولو ناسيا فلا تسقط عنه بموت ولا فراق ( وتجب بالعود ) أعاده ليرتب عليه قوله ( ولا تجزئ ) بضم الفوقية وفتحها أي لا تصح ( قبله ) أي العود لأنه لو حذفه لتوهم أن الضمير للوطء وليس بمراد . وفي بعض النسخ : وتجب بالعود وتجزئ قبله وتتحتم بالوطء وهو أحسن . طفي تفريق المصنف بين الوجوب والتحتم خلاف ما عليه الأئمة إذ كل من قال تجب بالعود أراد به التحتم والتعلق بالذمة وإن ماتت أو بانت لترادفهما ، ولم يذكروا التحتم بالوطء ، هذا محصل كلام أهل المذهب . واختلفوا في تفسير العود فقال ابن زرقون : تحصيل المذهب في العودة في كونها إرادة الوطء ، فإن أجمع عليه وجبت الكفارة ، ولو ماتت أو طلقها أو أرادته مع دوام العصمة فإن أجمع عليه ثم سقطت العصمة بموت أو طلاق سقطت الكفارة ، وإن عمل [ ص: 242 ] بعضها سقط سائرها ثالثها نفس الوطء للموطأ ولها ورواية القاضي ا هـ . فنسب للمدونة أنها إرادة الوطء والإجماع عليه ودوام العصمة ، وإن لم يذكر دوامها فيها لكن لما كان مذهبها سقوطها بالموت والطلاق أخذوا منه أن العود عندها العزم على الوطء مع دوام العصمة إلى تمام الكفارة ، فلو كانت تجب بالعود بلا تحتم لما احتاجوا إلى ذلك وكان مذهبها الوجوب بالعود وهو العزم على الوطء ، لكن الوجود محتم بدليل سقوطها بالموت والطلاق كما قال المصنف ، لكنه غير اصطلاحهم ، فلذا قالوا ما ذكرنا . ونحو قول ابن زرقون قول ابن رشد أصح الأقاويل وأجراها على القياس وأتبعها لظاهر القرآن قول مالك رضي الله عنه في المدونة الذي عليه جماعة أصحابه أن العودة هي إرادة الوطء مع استدامة العصمة ، فمتى انفرد أحدهما دون الآخر فلا تجب الكفارة . وقال في سماع ابن القاسم إن أجمع على إمساك زوجته فصام فماتت أو طلقها لا أرى عليه إتمامها ما نصه قوله صحيح على المشهور أن العودة إرادة الوطء والإجماع عليه مع استدامة العصمة ، فإن انفرد أحدهما فلا تجب الكفارة ، بل لا تجزيه إن فعلها غير عازم على الوطء ولا مجمع عليه ، فالكفارة على هذا القول تصح بالعزم على الوطء والإجماع عليه ، ولا تجب إلا بالوطء ، وعلى ما في الموطإ أنها إرادة الوطء والإجماع عليه تجب الكفارة عليه إن أجمع على الوطء وإن ماتت أو طلقها ا هـ . فانظر كيف صرح بأن العود مصحح فقط لما رأى من السقوط بالموت والطلاق ، تدل عليه المدونة لقولها في موضع والعودة هاهنا إرادة الوطء والإجماع عليه ، وفي آخر وإنما تجب عليه كفارة الظهار بالوطء فإذا وطئ فقد لزمته الكفارة ا هـ . فنسبتهم لها أن العود هو العزم على الوطء مع الإمساك باعتبار التصحيح لا باعتبار الوجوب ، وقد صرح في توضيحه بأن وجوبها بالعزم على الوطء خاصة على مذهب المدونة شرطه بقاؤها في عصمته ، وفرق بين الوجوب والتحتم تبعا لابن عبد السلام ، فإن ابن الحاجب لما قال العود في المدونة العزم على الوطء خاصة وفيها وإنما تجب الكفارة بالوطء

. قال ابن عبد السلام : ما ذكره المصنف عن المدونة ثانيا من أنها إنما تجب بالوطء وجعله [ ص: 243 ] خلافا لما حكاه عنها أولا فليس المعنى عندهم على ما فهمه المصنف لأن وجوبها في هذا الباب مقول بالاشتراك على معنيين أحدهما . للمظاهر فيه خبرة بوجه ما ، وهذا هو الوجوب التي تشترط فيه العودة ، وبيان ذلك أنه إذا ظاهر من امرأته فإن لم ينو العود فلا تجب عليه الكفارة ، ويبقى النظر هل تجزئ أم لا . وإن نوى العودة خاصة ولم يطأ وجبت عليه الكفارة وهذه هي الخيرة التي قلنا في هذا الوجه وكأنه حق لآدمي مشروط بحق الله تعالى .

والمعنى الثاني من معنى الوجوب ، وهو الذي لا خيرة للمظاهر فيه فمحله إذا ظاهر ثم وطئ المظاهر منها فهذا تتحتم عليه الكفارة بقيت في عصمته أم لا ، وهذا حق الله تعالى ، فما حكاه المصنف عن المدونة أولا مستعمل في المعنى الأول ، وما حكاه عنها ثانيا مستعمل في المعنى الثاني ا هـ .

قال ابن عرفة حاصله فهمه المذهب على قصر معنى وجوب الكفارة بالوطء على تحتم لزومها ولو ماتت المظاهر منها أو طلقها وقصر معنى وجوبها بالعودة بغير الوطء على عدم لزومها وسقوطها بطلاق أو موت ، والأول حق ، والثاني ليس كذلك لما تقدم من نقل ابن زرقون إن أجمع على الوطء وجبت عليه الكفارة ، وإن ماتت أو طلقها وإن كان عمل بعضها وجب عليه إتمامها ، وقول ابن رشد على ما في الموطإ إن أجمع على الوطء وجبت عليه الكفارة ، وإن ماتت أو طلقها ولو كان عمل بعضها وجب عليه إتمامها وقول الباجي إثر ذكره الخلاف فيمن ظاهر في أثناء كفارة ظهار عليه والقولان عندي على أن الكفارة تجب بالعودة أو تصح بها طفي وهذا يؤيد ما قاله ابن رشد أن العود على مذهب المدونة مصحح ، وعلى ما بيناه من ذلك والله الموفق .

( وهل هو ) أي العود ( العزم على الوطء ) ليظاهر منها فقط سواء عزم على إمساكها أو على تطليقها أو لم يعزم على شيء . منهما ( أو ) هو العزم على الوطء ( مع ) العزم على ( الإمساك ) للمظاهر منها في عصمته ( تأويلان ) للمدونة الأول لابن رشد والثاني لعياض ( وخلاف ) أي قولان مشهوران .

[ ص: 244 ] قال في الشامل وفي العود أربع روايات العزم على الوطء أو مع الإمساك وشهر ، وتؤولت المدونة عليهما أو الإمساك وحده والوطء نفسه وضعف ا هـ . وذكر في التوضيح أن ابن رشد وعياضا شهرا أنه العزم على الوطء مع الإمساك فيطالب المصنف بمن شهر الأول إذ لم أر من نبه عليه من الشراح ، على أن في عزو التوضيح نظرا لاقتضائه أن ابن رشد وعياضا اتفقا في التشهير والتأويل وليس كذلك ، لأن ابن رشد كما علمت من كلامه السابق فهم المدونة على أن العود مجرد العزم على الوطء مع بقاء العصمة ولم يتعرض للعزم على الإمساك ، وعلى هذا فهم الموطأ وفهم عياض المدونة على أنه العزم على الوطء مع الإمساك ، وعلى ذلك فهم الموطأ والعزم على الإمساك غير بقاء العصمة . ألا ترى أن من عزم على الوطء والإمساك على تأويل عياض تلزمه الكفارة عنده ولو لم تدم العصمة بأن ماتت أو طلقت وعند من اشترط بقاء العصمة تسقط بالموت أو الطلاق ولو عزم على الإمساك والوطء ، وكان المصنف فهم تساويهما فرتب عليه عزوه حيث قال في قول ابن الحاجب والعود في الموطأ العزم على الوطء والإمساك معا ما نصه " فهم المدونة ابن رشد وعياض على معنى ما نقله المصنف عن الموطإ وصرحا بأنه المشهور ، وبدل لما قلنا قول ابن عرفة مقتضى نقل الباجي عن الموطإ أن العودة مجموع العزم على إمساكها وعلى الوطء . ومقتضى نقل ابن زرقون وابن رشد أنها إرادة الوطء والإجماع عليه فقط . عياض مذهبها أنه إرادة الوطء مع الإمساك وهو ظاهر الموطإ ، وذكر بعض شيوخنا أن معنى الموطإ أنها العزم على الوطء فقط ، وقال مرة في الكتاب وعليه حملها بعضهم ونحا إليه اللخمي . ا هـ . وأراد عياض ببعض شيوخه ابن رشد والله أعلم . ابن عرفة ولا تجب إلا بالعودة وفي كونها العزم على إمساكها أو على وطئها أو عليهما ، رابعها الوطء للباجي وعن روايتي الجلاب والموطإ ورواية الجلاب ، وعليها يجوز الوطء مرة ثم يحرم حتى يكفر ، وخامسها مجرد بقاء العصمة لابن رشد عن ظاهر قول ابن نافع فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية