صفحة جزء
[ ص: 12 ] يقول الفقير المضطر لرحمة ربه ، المنكسر خاطره لقلة العمل والتقوى : [ ص: 13 ] خليل بن إسحاق المالكي : الحمد لله [ ص: 14 ] حمدا يوافي ما تزايد من النعم والشكر له على ما أولانا من الفضل [ ص: 15 ] والكرم : لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه ، ونسأله اللطف والإعانة [ ص: 16 ] في جميع الأحوال ، وحال حلول الإنسان في رمسه .

والصلاة والسلام على محمد [ ص: 17 ] سيد العرب والعجم المبعوث لسائر الأمم وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأمته [ ص: 18 ] أفضل الأمم .


[ ص: 12 ] يقول ) أصله بسكون القاف وضم الواو فنقل إلى القاف لثقله على الواو لملازمته في فعل ولم يثقل عليها في نحو هذا ولو لعدم ملازمته وكونه في اسم .

( الفقير ) وزنه فعيل من الفقر أي الحاجة يحتمل أنه صفة مشبهة أي دائم الحاجة ، أو صيغة مبالغة أي كثيرها ، والأول ملازم للعبد ومستلزم للثاني فهو الأولى ، وفي نسخة العبد والمراد به عبد الإيجاد أي المخلوق ، أو عبد العبودية أي العابد لله تعالى ولا ينافيه قوله بعد " المنكسر خاطره " لقلة العمل والتقوى ; لأنه من جملة العبادة لله تعالى قال الله تعالى { فلا تزكوا أنفسكم } وقال الله تعالى { وما قدروا الله حق قدره } وقال سيد العالمين أجمعين صلى الله عليه وسلم { سبحانك لا أحصي ثناء عليك } .

( المضطر ) يحتمل كونه اسم فاعل أي : شديد الاحتياج وكونه اسم مفعول أي الملجأ الذي ألجأته شدة احتياجه لزوال الحركة الفارقة بينهما بالإدغام وأصله بتاء عقب الضاد وفك الراء من الراء فخفف بإبدالها طاء مهملة ، وإبدال الضاد طاء أيضا ، وإدغام الأولى في الثانية ، وإدغام الراء في الراء أيضا .

( لرحمة ) أي إلى إنعام ( ربه ) أي مالكه ومربيه ( المنكسر ) أصله اسم فاعل " انكسر " ، والمراد به هنا الحزين ( خاطره ) أصله ما ورد على القلب ، والمراد به هنا القلب لعلاقة الحالية فهو مجاز مرسل وليس في الكلام استعارة لاجتماع المشبه به وهو المنكسر ، والمشبه وهو الخاطر المستعمل في القلب على وجه ينبئ عن التشبيه وهو إسناد المنكسر للخاطر وهذا مانع منها بإجماع البيانيين ، والانكسار تفرق أجزاء اليابس كحجر ، والانقطاع تفرق أجزاء اللين كلحم .

( لقلة العمل ) أي الصالح ; لأنه الذي يترتب على قلته انكسار القلب ( والتقوى ) أي اتقاء عذاب الله تعالى بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات ، فعطفها على العمل من عطف العام على الخاص ، وإن خصت بالاجتناب بقرينة ذكر العمل قبلها فهو من عطف المغايرة [ ص: 13 ] وهذا شأن الأولياء والعلماء العاملين من نسبة التقصير في عبادة الله تعالى لأنفسهم امتثالا لقوله تعالى { فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى } ، وتأسيا بأشرف المخلوقين صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانك { لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك } .

( خليل ) أصله صفة مشبهة من الخلة بضم الخاء المعجمة وشد اللام أي صفاء المودة ، ثم سمي به المصنف فهو علم منقول منها ( ابن إسحاق ) نعت " خليل " لتأوله بالمنسوب بالبنوة لإسحاق ( المالكي ) أي المنسوب للإمام مالك رضي الله تعالى عنه لتعبده على مذهبه واشتغاله به تعلما وتعليما نعت ثان لخليل لا لإسحاق ; لأنه حنفي . وشغل خليل بمذهب مالك " رضي الله عنه " لمحبته في شيخيه سيدي عبد الله المنوفي وسيدي أبي عبد الله بن الحاج صاحب المدخل قيل : مكث المصنف في تأليف المختصر عشرين سنة وبيضه إلى النكاح ، ووجد باقيه في أوراق مسودة فجمعه أصحابه وألف بهرام باب المقاصة منه وكمل الأقفهسي جملة يسيرة ترك المصنف لهما بياضا .

وألف المصنف شرحه التوضيح على مختصر ابن الحاجب الفقهي قيل وبه عرف فضله ومكث بمصر عشرين سنة لم ير النيل وكان يلبس لبس الجند المتقشفين وسمى نفسه في مبدأ كتابه للترغيب فيه ، والوثوق به كما هي عادة المتقدمين نصحا للمتأخرين بل وجرت عادتهم بهذا في كل مسألة ففي البيان لابن رشد أول كل مسألة : قال القاضي أبو الوليد محمد بن رشد : بيان هذه المسألة وتحصيلها كذا ، وكذا القاضي عياض في تأليفه قال القاضي أبو الوليد عياض : الحكم كذا .

( الحمد لله ) مفعول " يقول " وكذا ما بعده إلى قوله فلا إشكال ، وهل محل النصب للمجموع ولكل جملة ؟ خلاف ، والحمد لغة الوصف بجميل لأجل اتصاف الموصوف بوصف جميل غير طبيعي إنعاما كان ، أو غيره مع قصد الواصف تعظيم الموصوف وعرفا أمر دال على تعظيم منعم وهذا هو الشكر لغة . [ ص: 14 ]

( حمدا ) مفعول مطلق مبين لنوع عامله بنعته بجملة يوافي إلخ وعامله مقدر أي أحمده لا الحمد المذكور لفصله منه بالخبر الأجنبي بجهة المصدرية التي كان يعمل بها في " حمدا " ، وإن كان معمولا له من جهة الابتدائية التي رفع الخبر بها ، والحاصل أن للحمد جهتين مصدرانية وبها ينصب المفعول المطلق ولا يرفع الخبر وابتدائية وبها يرفع الخبر ولا ينصب المفعول المطلق وهل اختلاف الجهة كاختلاف الذات وعليه فالخبر أجنبي مانع من نصب " حمدا " ، أو ليس اختلاف الجهة كاختلاف الذات وعليه فليس الخبر أجنبيا فلا يمنع من نصب " حمدا " ، وهو الحق ؟ .

( يوافي ) أي يفي الحمد ( ما تزايد ) أي زاد فصيغة المفاعلة مستعملة في حصول الفعل من فاعل واحد وعبر بها لإفادتها المبالغة المعهودة في المغالاة .

( من النعم ) جمع نعمة بكسر النون أي أنعام ، أو منعم به ، بيان لما فكل نعمة تتجدد فالحمد يقابلها فإن قلت حمد المصنف جزئي ونعم الله تعالى لا نهاية لها فكيف يقابلها ولا تزيد عليه قلت : المراد أنه يقابلها بملاحظة المحمودية وهي صفات الله التي لا نهاية لها ، والمعنى : أثني عليه بصفاته التي لا نهاية لها وأجعل الثناء بكل صفة في مقابلة نعمة فيزيد الحمد على النعم ; لأنها محصورة والصفات ليست محصورة ، أو يقال الكلام خرج مخرج المبالغة وجرى على طريق التخيل لا التحقق . ( تنبيه ) :

الحق قول الباقلاني والرازي إن لله تعالى نعما على الكافر يجب شكرها قال الله تعالى { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } ويؤيده خطابه بفروع الشريعة وما نقل عن الأشعري " رضي الله عنه " لا نعمة لله تعالى على كافر فبالنظر للحقيقة ، والعاقبة لا للصورة الراهنة حتى قيل : إن الخلاف لفظي بل مما لا يضر قول المعتزلة هو في نعمة في الآخرة باعتبار أنه ما من عذاب إلا وفي قدرة الله تعالى ما هو أشد منه لكن لا يجوز هذا التعبير لمصادمة الوارد أفاده في الإكليل .

( والشكر ) لغة الحمد عرفا واصطلاحا صرف جميع النعم فيما خلقت له من واجب ومندوب ومباح ( له ) أي الله تعالى ( على ما ) أي النعم التي ( أولانا ) أي أعطانا الله تعالى إياها لصلة جرت على غير موصولها ولم يبرز ضميرها لأمن اللبس ، وقوله ( من الفضل ) [ ص: 15 ] بفتح الفاء وسكون الضاد المعجمة أصله مصدر فضل ، والمراد به هنا اسم المفعول لعلاقة الاشتقاق أي المتفضل به .

( والكرم ) بفتح الكاف والراء أصله مصدر " كرم " بضم الراء ، والمراد به هنا المتكرم به لذلك بيان لما ولما أوهم قوله يوافي إلخ إحصاءه الثناء على النعم ، والأمر ليس كذلك ; إذ هي لا تحصى قال الله تعالى { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } رفعه بقوله ( لا أحصي ) أي لا أضبط ( ثناء ) أي وصفا بجميل ( عليه ) أي الله تعالى .

( هو ) أي الله تعالى توكيد لهاء عليه ، أو مبتدأ أي الله تعالى ، أو الثناء الذي يستحقه الله تعالى ( كما ) الكاف زائد وما موصول اسمي خبر هو على الاحتمالين أي الله الذي

( أثنى ) أو الثناء الذي يستحقه الثناء على نفسه ، أو حرفي ، والمصدر المنسبك من صلته مؤول باسم فاعل خبر " هو : على الاحتمال الأول أي الله مثن على نفسه الثناء الذي استحقه ، أو خبر بلا تأويل على الثاني أي الثناء الذي استحقه على نفسه أو الكاف أصلي و " ما " موصول اسمي ، أو حرفي والجار ، والمجرور صفة ثناء أي كالثناء الذي أثناه ، أو كثنائه ( على نفسه ) أي ذات الله تعالى ، وإطلاق لفظ النفس عليه تعالى بلا مشاكلة ورد في آية { كتب ربكم على نفسه الرحمة } وحديث { لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك } ودعوى المشاكلة فيهما بعيدة

( ونسأله ) أي الله تعالى ( اللطف ) أي الرفق والرأفة ( والإعانة ) أي خلق فعل الطاعات والكف عن المنهيات وكسبهما هذا هو المراد ، وإن كان أصل الإعانة المشاركة في الفعل لتسهيله فشبه حصول الفعل بين قدرة الله تعالى خلقا ، وإيجادا وقدرة العبد كسبا واختيارا بوقوعه بين قدرتين مؤثرتين فرضا وتقديرا بجامع مطلق وقوعه بين قدرتين وتنوسي التشبيه وادعي أن المشبه داخل في جنس المشبه به واستعير لفظ الإعانة من المشبه به للمشبه استعارة تصريحية أصلية . [ ص: 16 ] في جميع الأحوال ) تنازع فيه اللطف ، والإعانة فأعمل الثاني في لفظه لقربه والأول في ضميره وحذف ; لأنه فضله ( و ) في ( حال حلول ) أصله النزول ، والمراد به المكث لعلاقة السببية لاحتياج ( الإنسان ) لهما ما دام في قبره ، يحتمل إرادة المصنف بالإنسان نفسه فأل للعهد ويحتمل إرادته به كل مؤمن فهي للاستغراق وهذا أولى لرجاء الإجابة .

( في رمسه ) بفتح الراء وسكون الميم ، وإهمال السين : أصله الطرح والرمي نقل للمرموس لعلاقة الاشتقاق ونقل منه للمرموس فيه وهو القبر لعلاقة الحالية ففيه مجاز على مجاز وذكر هذه الحالة مع دخولها في جميع الأحوال لشدة احتياج الإنسان فيها للطف ، والإعانة فإنها المنزلة الأولى من منازل الآخرة والرحلة الأولى صعبة على المسافر في الدنيا فكيف في الآخرة . ولما كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو الواسطة بين الله تعالى وبين عباده في كل نعمة أنعم الله تعالى بها عليهم ولا سيما الإسلام وشريعته صلى الله عليه وسلم تأكدت الصلاة عليه بعد الثناء على الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم { من صنع معكم معروفا فكافئوه فإن لم تكافئوه فادعوا له } فلذا قال .

( والصلاة ) أي الرحمة المقرونة بالتعظيم من الله تعالى ولذا لا يدعى بها لغير معصوم أي يكره وقيل يحرم وقيل : خلاف الأولى ، والدعاء باستغفار ، أو غيره من غير الله تعالى هذا هو المشهور وفسرها ابن هشام بالعطف مطلقا وفسر عطف الله تعالى برحمته وعطف غيره بدعائه فهي من المشترك المعنوي على هذا كإنسان واللفظي على الأول كعين .

( والسلام ) أي التحية والتأمين من الله تعالى ( على محمد ) أصله اسم مفعول " حمد " بفتحات مشدد الميم للتكثير أي المحمود كثيرا ، أو للتعدية أي الموفق للحمد سمى به عبد المطلب ابن ابنه تفاؤلا بذلك له وقد حقق الله تعالى رجاءه وجعله أعظم الحامدين ، والمحمودين فهو علم منقول من اسم مفعول . [ ص: 17 ] سيد ) أي شريف كامل وتقي فاضل وذي رأي شامل وحليم كريم وفقيه عليم ورئيس مقدم ( العرب ) بفتح العين المهملة والراء ، أو ضم الأولى وسكون الثانية أي من يتكلم اللغة العربية سجية سواء سكن الحاضرة ، أو البادية والأعراب سكان البادية المتكلمون بها كذلك فهم أخص من العرب وقيل سكان البادية سواء تكلموا بها ، أو بالعجمية فبينهما عموم وجهي والصحيح المشهور أن العرب كانوا قبل إسماعيل عليه الصلاة والسلام وهو العرب العاربة ومنهم عاد وثمود وقحطان وجرهم وأخذ إسماعيل صلى الله عليه وسلم العربية من جرهم وسميت أولاده العرب المستعربة .

وروي عن ابن عباس " رضي الله عنه " عنهما أول من تكلم بالعربية إسماعيل ، والمراد بها عربية قريش التي نزل القرآن بها .

( والعجم ) أي من يتكلم بالعجمية سجية وفيه اللغتان اللتان في العرب ، والأولى قراءتهما بلغة واحدة للمناسبة بينهما .

( المبعوث ) اسم مفعول " بعث " أي الذي أرسله الله تعالى ( لسائر ) معناه الحقيقي باقي من السؤر بالهمز أي البقية ويستعمل في معنى " جميع " مجازا من السور بالواو أي البناء المحيط بغيره وكلاهما يصح هنا فالأول باعتبار إرساله صلى الله عليه وسلم بجسده مباشرة لآخر الأمم والثاني باعتبار إرساله صلى الله عليه وسلم بروحه ونيابة المرسلين السابقين عنه لجميع ( الأمم ) بضم الهمز جمع أمة كذلك وشد الميم أي جماعة إنسا وملائكة وجنا وبهائم وجمادات إرسال تكليف وتشريف للإنس ، والجن وتشريف فقط للملائكة وتأمين للباقي .

( وعلى آله ) أي أهل بيته ( وأصحابه ) أي الذين اجتمعوا به صلى الله عليه وسلم بعد بعثه مؤمنين به ( وأزواجه ) أي زوجاته ( وذريته ) أي أولاده مباشرة وهم سبعة : ثلاثة ذكور ; القاسم ، وإبراهيم وعبد الله ولقب عبد الله بالطيب والطاهر وأربع إناث فاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم وكلهم من خديجة إلا إبراهيم فمن مارية ، أو بواسطة وهم الحسن ، والحسين وأولادهما كذلك إلى قرب الساعة ( وأمته ) بضم الهمز وشد الميم أي الذين آمنوا به من حين بعثه إلى [ ص: 18 ] قرب القيامة .

( أفضل ) اسم تفضيل من الفضل أي الشرف ، والعظم ( الأمم ) أي الأتباع فبين هذا والأمم السابقة جناس تام باتفاق اللفظين واختلاف المعنيين وتفسيرهما بمعنى واحد يلزمه تكرار الفاصلة وهو عيب في السجع وأفضلية أمته على باقي الأمم لأفضليته على باقي المرسلين ; إذ التابع يشرف بشرف متبوعه ولقوله تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس

التالي السابق


الخدمات العلمية