صفحة جزء
[ ص: 331 ] باب ) شرط السلم : [ ص: 332 ] قبض رأس المال كله أو تأخيره ثلاثا

[ ص: 333 ] ولو بشرط ، وفي فساده بالزيادة ، إن لم تكثر جدا : تردد


[ ص: 331 ] باب ) في بيان أحكام السلم ( شرط ) صحة عقد ( السلم ) عرفه ابن عرفة بأنه عقد معاوضة يوجب عمارة ذمة بغير عين ولا منفعة غير متماثل العوضين . ا هـ . خرج بالأول بيع الأجل وبيع الدين وإن ماثل حكمه حكمه لأنه لا يصدق عليه عرفا ، والمختلفان يجوز اشتراكهما في حكم واحد ، وبالثاني الكراء المضمون ، وبالثالث السلف ، ولا يدخل إتلاف مثلي غير عين ولا هبته غير معين ، ويبطل طرده بنكاح بعبد موصوف مثلا ، فإنه نكاح لا سلم . المشذالي صرح في المدونة بأن السلم رخصة مستثناة من بيع ما ليس عند بائعه . ابن عبد السلام الشروط التي ذكرها ابن الحاجب هي في جوازه فحكمه الجواز لقوله تعالى { وأحل الله البيع } . ولقوله صلى الله عليه وسلم { من أسلم فليسلم في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم } وللإجماع على جوازه .

الجزولي روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما منع تسميته بالسلم لأنه اسم لله تعالى ، ففي إطلاقه على غيره تعالى تهاون ، وفي المدارك كره شيخنا تسميته بالسلم ، ثم قال والصحيح أنه يجوز أن يسمى بالسلم ا هـ . ابن عبد السلام كره بعض السلف لفظ السلم في حقيقته العرفية التي هي من أنواع البيع ، ورأى أنه إنما يستعمل فيه لفظ السلف أو التسليف صونا للفظ السلم من التنزل في الأمور الدنيوية ، ورأى أنه قريب من لفظ الإسلام ، ثم قال والصحيح جوازه لا سيما غالب استعمال الفقهاء إنما هو صيغة الفعل مقرونة بحرف في ، فيقولون أسلم في كذا ، فإذا أرادوا الأهم أتوا بلفظ السلم وقلما [ ص: 332 ] يستعملون لفظة الإسلام في هذا الباب والصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من أسلم فليسلم في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم . } وفي وثائق ابن العطار جائز أن يقول سلم وأسلم ، وفي وثائق محمد بن أحمد الباجي جائز أن يقول سلم وسلف ويكره أن يقول أسلم فلان ، وروي ذلك عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال إنما الإسلام لله رب العالمين .

والمراد شروط صحة السلم زيادة على شروط صحة البيع سبعة أحدها . ( قبض رأس ) أي ثمن سمي رأسا لأنه أصل موصل للمسلم فيه ( المال ) أي المسلم فيه لتموله ، وهذا بحسب الأصل ، ثم صار المركب الإضافي كالعلم على العوض المعجل ( كله ) ابن عبد السلام لم أعلم خلافا في كون تعجيل رأس المال عزيمة ، وأن الأصل التعجيل ، وإنما الخلاف هل يرخص في تأخيره . ابن عرفة يطلب تعجيل أول عوضيه وشرطه عدم طول تأخيره . ابن حارث اتفقوا على أنه لا يجوز تأخير رأس ماله المدة الطويلة ، وأنه يجوز تأخيره اليوم واليومين .

اللخمي من شرطه تعجيل رأس ماله إن كان مضمونا ، ولا يضر تأخير المعين . واختلف إذا اشترط تأخيره المدة اليسيرة كاليومين أو يسير رأس المال المدة البعيدة هل يصح أو يفسد ، فأجاز مالك وابن القاسم رضي الله تعالى عنهما تأخير جميعه بشرط ثلاثة أيام ، وحكى ابن سحنون وغيره من البغداديين أنه فاسد . زاد المازري عن عبد الوهاب يومين لا أكثر . قلت ولم يذكر الباجي الثلاثة فاستدركها عليه ابن زرقون من المدونة وما ذكراه من الخلاف مناف لنقل ابن حارث الاتفاق في اليومين ، وعزا الصقلي وغيره كون الثلاثة كاليومين لكتاب الخيار .

( أو تأخيره ) أي رأس المال ( ثلاثة أيام ) استشكل بأن مقتضاه أن تأخيره ثلاثة شرط وليس كذلك . وأجيب بعطفه على قبض بحسب معناه أي شرط السلم كون رأس ماله مقبوضا أو في حكمه ، وقال أو تأخيره ثلاثا لبيان ما في حكمه ، وبأن أو بمعنى [ ص: 333 ] الواو ، وتأخيره فاعل فعل محذوف أي يجوز ، وبأن الشرط مصبه قوله ثلاثا أي إن أخر فشرطه كونه ثلاثا . البناني الصواب لا إشكال فإن معنى كلام المصنف أن شرطه أحد شيئين إما قبضه وإما تأخيره ثلاثا ، فإن فقدا بتأخيره أكثر منها فقد شرطه ، فأو على بابها ، ومحل اغتفار تأخيره ثلاثا إن كان أجل المال نصف شهر فأكثر ، فإن كان يومين بأن شرطه في بلد آخر على مسافتهما فلا يغتفر ذلك لأنه كالئ بكالئ . ابن عرفة الصقلي بعض أصحابنا على إجازة السلم إلى ثلاثة أيام ونحوها لا يجوز تأخير رأس ماله اليومين لأنه يصير دينا بدين ، ومثله لابن الكاتب ، وهو بين . قلت ذكره الباجي غير معزو كأنه المذهب . قال ويجب أن يقبض في المجلس أو ما يقرب منه . ا هـ . ويغتفر تأخيره ثلاثة أيام إن كان بلا شرط ، بل ( ولو بشرط ) وأشار بولو لقول سحنون لا يجوز تأخيره ثلاثة بشرط ، واختاره ابن الكاتب وابن عبد البر .

( وفي فساده ) أي السلم ( ب ) سبب ( الزيادة ) في تأخير رأس المال على ثلاثة أيام بلا شرط وعدمه ( إن ) لم ( تكثر ) الزيادة ( جدا ) بأن لم يؤخر إلى أجل المسلم فيه ( تردد ) الحطاب القولان لمالك رضي الله تعالى عنه في المدونة ، وأشار بالتردد لتردد سحنون في النقل عنه ، والقول بالفساد في سلمها الثاني ابن عرفة الصقلي وتأخيره بلا شرط إن كان عينا إلى أجل السلم . قال ابن القاسم يفسده ثم رجع فقال لا يفسده إن لم يكن بشرط ، وبه قال أشهب . ولابن وهب إن تعمد أحدهما تأخيره لم يفسد وإن لم يتعمده أحدهما فسد ، يريد إن فر أحدهما ليفسده فلا يفسد على قولنا الفرار من الأداء في الصرف لا يفسده . الباجي وعلى رواية ابن وهب قال ابن حبيب إن كان المسلم هو الممتنع من القضاء خير المسلم إليه في الأخذ ، ويدفع المسلم فيه . وفي حل الصفقة ورد ما قبض منه وإن كان المسلم إليه هو الممتنع لزمه عند الأجل قبضه ودفع المسلم فيه . وفي التهذيب إن ادعى أحدهما أنهما لم يضربا لرأس المال أجلا وأنه تأخر شهرا بشرط وأكذبه الآخر فالقول قول مدعي الصحة .

عبد الحق نقص أبو سعيد من هذه المسألة لأن نصها في الأم قال الذي عليه السلم لم [ ص: 334 ] أقبض رأس المال إلا بعد شهر أو شهرين ، أو كنا شرطنا ذلك فاقتصر أبو سعيد على مسألة الشرط وترك الأخرى وهي يستفاد منها أن تأخير رأس المال بلا شرط الأمد الطويل كالشهر يفسده . وقال ابن القاسم في الكتاب الثالث إن أخر النقد حتى حل الأجل كرهته ، وأراه من الدين بالدين ولا يجوز هذا ، وهو رأي الحطاب . والقول بعدم الفساد قال في التوضيح هو قولها في السلم الثالث إن تأخر رأس المال أكثر من ثلاثة أيام بلا شرط فيجوز ما لم يحل الأجل فلا يجوز انتهى ، وقوله ما لم يحل الأجل هو الذي أشار إليه المصنف بقوله ما لم يكثر جدا والله أعلم .

البناني في كلام المصنف أربعة أمور أحدهما : أن ظاهره سواء كانت الزيادة بشرط أم لا مع أن محل الخلاف إذا كانت بلا شرط وإلا فسد اتفاقا . الثاني : أن قوله إن لم تكثر جدا إلخ الصواب إسقاطه لأن ظاهره أن الزيادة إذا كثرت جدا لا يختلف في الفساد وليس كذلك ، بل الخلاف في الزيادة بلا شرط ولو كثرت جدا وحل أجل السلم . طفي فإن ابن الحاجب وابن شاس أطلقا الخلاف فيها ، وكذا ابن رشد وابن عرفة وغير واحد ، بل صرحوا به فيها وما كان منها للأجل ا هـ وهو كذلك ، فأما الفساد بالزيادة مطلقا فهو ما في سلمها الثاني ، وأما مقابله فهو ما في سلمها الثالث ، لكن رجع ابن القاسم إلى الجواز ولو حل الأجل فقد علمت أن الخلاف مطلق سواء حل الأجل أم لا خلافا لظاهر المصنف ، ثم قال البناني الأمر الثالث : مما في كلام المصنف أن تعبيره بالتردد ليس جاريا على اصطلاحه ، ولذا قال الحطاب القولان لمالك رضي الله تعالى عنه في المدونة وأشار بالتردد لتردد سحنون في النقل عنه ، لكن في قوله لتردد سحنون إلخ نظر لأنه من المتقدمين . الأمر الرابع : من حق المصنف الاقتصار على القول بالفساد لتصريح ابن بشير بأنه المشهور كما نقله الحطاب عنه والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية