صفحة جزء
[ ص: 159 - 162 ] وإن وجب لمريض على رجل [ ص: 163 ] جرح عمدا فصالح في مرضه بأرشه أو غيره ، ثم مات من مرضه : جاز ولزم . وهل مطلقا ، أو إن صالح عليه ، لا ما يئول إليه ؟ تأويلان .


( وإن وجب ) أي ثبت ( ل ) شخص ( مريض ) ظاهره ، بل صريحة تقدم مرضه على جرحه وبه قرره الحط و " س " وعج وعب . طفي هذا لفظ المدونة ، فقال أبو الحسن المرض هنا من ذلك الجرح بخلاف التي قبلها صالحه بعد البرء ثم نزي جرحه . ا هـ . وما قاله أبو الحسن هو ظاهر كلام الأئمة وهو المأخوذ من العتبية وغيرها ( على رجل ) [ ص: 163 ] مثلا ( جرح ) بفتح الجيم ( عمدا ) عدوانا . وفي بعض النسخ بالإضافة ( فصالح ) الرجل المريض على جرحه ( في ) حال ( مرضه ) من الجرح ( ب ) مال قدر ( أرشه ) أي دية الجرح ( أو غيره ) أي الأرش صادق بأقل وأكثر منه ( ثم مات ) المريض ( من مرضه ) من ذلك الجرح ( جاز ) صلحه ابتداء ( ولزم ) صلحه بعد وقوعه فليس لوارثه نقضه إذ للمريض العفو عن جارحه عمدا عدوانا مجانا وإن لم يكن له مال .

( وهل ) جواز صلحه ( مطلقا ) عن التقييد بكونه عن خصوص الجرح فيجوز عنه وعما يئول إليه أيضا ، وهذا ظاهر المدونة .

وحملها عليه بعض شارحيها كابن رشد وابن العطار ( أو ) جوازه ( إن صالح عليه ) أي الجرح ( فقط لا ) إن صالح عنه ( و ) عن ( ما ) أي الموت الذي ( يئول ) الجرح ( إليه ) وعلى هذا حملها أكثر شارحيها في الجواب ( تأويلان ) ونصها وإذا وجب لمريض على رجل جراحة عمد فصالح في مرضه على أقل من الدية أو من أرش تلك الجراحة ثم مات من مرضه فذلك جائز لازم ، إذ للمقتول العفو عن دم العمد في مرضه وإن لم يدع مالا ا هـ . عياض تأولها الأكثر على أن الصلح على الجراحة فقط لا على الموت ، وتأولها ابن العطار على مآل الموت ونقلهما ابن عرفة وكلام ابن رشد المتقدم يدل على أنه تأولها على ما تأولها عليه ابن العطار .

( تنبيهات ) الأول : الحط ليست هذه معارضة للمسألة الأولى لأن الأولى وقع الصلح فيها على الجرح فقط ، ثم نزي ومات منه ، وهذه المسألة تكلم فيها على أن الصلح إذا وقع من المريض عن جرحه عمدا أو مات من مرضه لا من الجرح أن الصلح جائز لازم ، ولا يقال . [ ص: 164 ] هذا صلح وقع من المريض فينظر فيه هل فيه محاباة أم لا .

الثاني : على التأويل الثاني إن وقع الصلح على الجرح فقط ومات من مرضه لزم الصلح الورثة ، وإن نزي الجرح فمات فالحكم ما تقدم في المسألة الأولى ، وإن صالح عليه وعلى ما يئول إليه فالصلح باطل ويعمل فيها بمقتضى الحكم لو لم يكن صلح .

الثالث : على التأويل الأول إن وقع الصلح على الجرح فقط فحكمه ما تقدم ، وإن مات من مرضه لزم الصلح وإن صالح عنه وعما يئول إليه لزم الصلح فلا كلام للأولياء ، وليس معنى هذا التأويل أنه إذا صالح على الجرح فقط ثم نزي فيه ومات أن الصلح لازم للورثة إذ لم يقل بذلك أحد فيما علمت والله أعلم ا هـ كلام الحط . طفي هذا على تقرير أن المرض من غير الجرح وأنه مات من مرضه لا من الجرح مفرقا به بين هذه والتي قبلها ، وقد علمت أنه خلاف ما قاله أبو الحسن وخلاف ظاهر كلامهم . ولما ذكر عياض التأويلين ذكر قولين في جواز الصلح قبل البرء ، قال وعلى هذين القولين قصر أصحابنا الخلاف في الصلح على الجرح وما ترامى إليه ، وهي هذه المسألة بعينها يعني مسألة المصنف التي فيها التأويلان ، فهذا دليل على أن المرض من الجرح ، ولم أر من ذكر أن المرض هنا من غير الجرح .

الرابع : عب من في قوله من مرضه بمعنى في ، فهي ظرفية زمانية لأنه إذا تحقق أن موته من مرضه لم يأت قوله ، وعلى ما يئول إليه . وقوله " ق " من بمعنى باء السببية لا يخرج عن معناها الأصلي ، فلا يكفي في المراد ، بل يوهم خلافه من أنه إذا مات بسبب المرض يكون الحكم ما ذكره المصنف وإلا مر بخلافه . وقال الخرشي قوله ثم مات من مرضه من سببية أي بسبب مرضه ، أي كان سبب موته مرضه لا الجرح فليس في كلامه إجمال والإجمال مبني على جعل من ظرفية . وقال في كبيره وجد عندي ما نصه من مرضه ، أي لا بسبب الجرح ، والأصل أن موته من مرضه إذا شك فيه . ا هـ . والخرشي تبع الحط كما علم مما تقدم عنه . الخامس :

عب وإن وجب لمريض جرح عمدا طرأ على مرضه كما تدل عليه عبارته [ ص: 165 ] وأما طرو المرض على جرح عمد فسيذكر فيه خلافا هل يقتص من الجارح أي بقسامة أو عليه نصف الدية ، أي بغير قسامة قاله عج ، وهو ظاهر ، وقرره شيخنا . " ق " على أنه لا فرق بين تقدم المرض عن الجرح وتأخره عنه ، وأن ما يأتي لم يحصل فيه صلح ا هـ ، ويحتاج لنقل يدل عليه .

السادس : طفي ثم على ما ذكره أبو الحسن وقلنا إنه ظاهر كلامهم من أن المرض من الجرح ، وإنه مات منه ويجوز الصلح ويلزم كما هو نصها ، ونص كلام المصنف يشكل تأويل الأكثر أن الصلح على الجرح فقط يلزم مع أنه آل الأمر إلى خلاف ما وقع الصلح عليه ، ويناقض ما تقدم من تخيير الأولياء إذا نزي الجرح فمات منه ، ويناقض قولها وإن قطع يده عمدا فعفا عنه فلأوليائه القصاص في النفس بقسامة إن كان عفوه على اليد لا على النفس . ا هـ . بل ظاهر المذهب ثبوت الخيار ولو صالح على ما يئول إليه .

قال في الجواهر ولو عفا عن جرحه العمد ثم نزي فيه فمات فلورثته أن يقسموا أو يقتلوا لأنه لم يعف عن النفس . أشهب إلا أن يقول عفوت عن الجرح ، وعما ترامى إليه فيكون عفوا عن النفس . ا هـ . وتبعه ابن الحاجب جامعا بين العفو والصلح ، فقال في توضيحه قوله وقال أشهب . . إلخ ظاهره أن المذهب يخيرون ولو قال ذلك . وقال أشهب ليس لهم خيرة إذا قال ذلك ، ثم ذكر عن ابن رشد الخلاف عن ابن القاسم والتفصيل فيه ، وأن جراحات العمد التي فيها القصاص يجوز الصلح فيها عما ترامت إليه ، وهو مذهب المدونة خلاف ما لابن القاسم في العتبية من المنع ، فتحصل أنه موافق لأشهب على ما له في المدونة فظهر لك ترجيح تأويل ابن العطار ، وهو الذي انتحله ابن رشد ولا إشكال حينئذ ، وهو الذي يدل عليه تعليل المدونة المسألة بقولها إذ للمقتول العفو عن دم العمد في مرضه ، والإشكال الذي ذكر يأتي على اللزوم المذكور في كلامها ككلام المصنف .

وعياض رجع التأويلين للجواز ولم يذكر اللزوم ، قال في تنبيهاته وقوله في الذي يصالح جارحه في مرضه على أقل من أرش الجراحة أو أقل من الدية فمات أن ذلك جائز ، [ ص: 166 ] وتأولها غير واحد على الصلح من الجراحة فقط لا ما تئول إليه من النفس ، وتأولها ابن العطار على أنه على الجرح والنفس معا . ا هـ . وهكذا نقلها ابن عرفة واقتصر على كلام عياض والأمر ظاهر لو لم يكن لفظ اللزوم مع أنه مذكور في كلامها في اختصار أبي سعيد ، وكل من نقلها نقلها به لا يقال لا إشكال ولا تناقض لفرق أبي الحسن بين المسألتين كما تقدم ، لأنا نقول فرقه صوري فقط ، أما الحكم فسواء ، إذ المدار على حصول الموت من الجرح البرء أو قبله ، وقد قرر المصنف مسألة نزو الجرح في باب الديات تبعا لابن الحاجب وابن شاس ، هذا ما حضرنا من البحث في المسألة وتحتاج لمزيد تحرير والله الموفق .

وبكلام عياض تبين لك أن في قول المصنف وهل مطلقا مشاحة ، لأن ابن العطار لم يتأولها على الإطلاق ، بل على الجرح والنفس معا ، وكأن المصنف فهم أنه إذا جاز عنده عليهما فجوازه عنده على الجرح فقط أولى وهو كذلك من جهة الحكم ، لكن يتبع ما حمل عليه المشايخ لفظ الكتب ويقف عنده ولا يعدوه ا هـ . البناني قد أسقط ابن عرفة في اختصار كلام المدونة لفظ اللزوم ، ونصه وفيها صلح المريض على أقل من أرش الجرح أو الدية جائز . عياض تأولها الأكثر على أن الصلح على الجراحة فقط لا على مآل الموت ، وتأولها ابن العطار على مال الموت ا هـ . السابع :

في العتبية لابن القاسم لا يجوز أن يصالحه بشيء عن الجرح ، والموت إن كان لكن يصالحه بشيء معلوم ولا يدفع إليه شيئا ، فإن عاش أخذ ما صالحه عليه ، وإن مات ففيه القسامة والدية في الخطإ والقتل في العمد . الثامن :

الذي في الحط وعج وغيرهما أنه إن صالح على الجرح فقط جاز على كل من التأويلين ، فإن مات من مرضه لزم الصلح الورثة وإن نزي فمات فالحكم ما تقدم في المسألة الأولى ، وإن صالح عليه وعلى ما يئول إليه فعلى التأويل الثاني الصلح باطل ، ويعمل بمقتضى الحكم لو لم يكن صلح ، وعلى التأويل الأول يلزم الصلح وإن نزي فمات فلا كلام للأولياء .

التالي السابق


الخدمات العلمية