صفحة جزء
وهل إلا أن يعلم بالتلف فله وعليه ؟ أو مطلقا إلا أن يدعي الأخذ له ؟ تردد .


( وهل ) يكون العرض المشترى بالسالم شركة بينهما في كل حال ( إلا أن يعلم ) صاحب السالم ( بالتلف ) لمال شريكه حين شرائه ، فإن علمه حينه فلا يكون العرض مشتركا بينهما ، ويختص به ذو السالم ( فله ) أي رب السالم ربح ما اشتراه إن ربح فيه ( وعليه ) أي رب السالم نصفه إن خسر فيه ، وهذا قول ابن رشد ( أو ) هو مشترك بينهما ( مطلقا ) أي عن التقييد بعدم علم رب السالم تلف مال شريكه حين شرائه ، وهذا قول ابن يونس ، والخلاف المتقدم في كل حال ( إلا أن يدعي ) رب السالم أنه قصد ( الأخذ ) أي الشراء ( لنفسه ) خاصة ، فإن ادعى ذلك فيختص بما ابتاعه اتفاقا ، في الجواب ( تردد ) في فهم قول المدونة وإن بقيت صرة كل بيد ربها حتى ابتاع أحدهما بصرته أمة على الشركة وتلفت الصرة الأخرى فالصرة التالفة من ربها والأمة بينهما ، ففهمها ابن رشد وغيره على الأول وابن يونس على الثاني ، فالجاري على اصطلاح المصنف تأويلان قاله تت .

طفى قرر تت كلام المصنف على ظاهره مع أنه منتقد من " ح " ومن تبعه ، وهو انتقاد صحيح . وحاصل النقل عن جميع من تكلم على المسألة من أهل المذهب أن الخلاف الذي أشار له المصنف هو بين ابن رشد وابن يونس مع عبد الحق فابن رشد عنده إن [ ص: 256 ] اشترى بعد تلف ما أخرجه صاحبه وهو لا يعلم فهو مخير بين أن يلزمه حصته مما اشتراه أو ينفرد به عنه ، وإن اشترى بعد علمه بالتلف فهو له خاصة هكذا في مقدماته ، وهكذا نقله أبو الحسن وغيره . وعند ابن يونس وعبد الحق إن اشترى بعد علمه التلف فشريكه مخير بين أن يشركه فيها أو يدعها إلا أن يقول اشتريتها لنفسي فهي له ، وإن لم يعلم بالتلف حين اشترى فهي بينهما كما لو اشترى فتلفت الصرة الأخرى ، هكذا في نقل أبي الحسن وابن عرفة وغير واحد فابن رشد عكس ما قالاه إذ التخيير عنده مع عدم العلم للمشتري بخلافهما ، وقد أحسن صاحب الشامل في عزوهما ، ونصه وهل إلا أن يشتري قبل علمه بالتلف فيخير ، وإن علم يختص به أو يخير الآخر مع العلم إلا أن يدعي أنه ابتاع لنفسه تردد ا هـ .

وقال تت في كبيره ظاهر كلام المصنف أن السالم صرته تلزمه الشركة فيما ابتيع بها بشرطه عند ابن رشد وابن يونس ، والذي في المقدمات أنه بالخيار وبه قرر الشارح كلامه هنا ، ودرج عليه في شامله ثم ساق كلام الشامل المتقدم وهو ظاهر لأن التخيير عند ابن رشد في مقدماته للمشتري وهو السالم صرته ، كما علمت ، وكما في الشامل ، وقد نقل لفظه على وجهه ولم ينبه عليه في صغيره وبالله تعالى التوفيق . الحط الأليق باصطلاحه تأويلان ، ولم أقف عليهما على ما ذكره المصنف فإنه قال في المدونة وإن بقيت كل صرة بيد ربها حتى ابتاع أحدهما بصرته أمة على الشركة وتلفت الصرة الأخرى والمالان متفقان ، فالأمة بينهما والصرة من ربها .

ابن يونس قوله فالأمة بينهما يريد بعد أن يدفع لشريكه نصف ثمنها لأنه إنما اشتراها على الشركة بعض أصحابنا إن اشتراها بعد التلف عالما به فشريكه مخير بين أن يشركه فيها أو يدعها له ، إلا أن يقول إنما اشتريتها لنفسي فهي له ، وإن لم يعلم بالتلف حتى اشترى الأمة فهي بينهما ، كما لو اشترى ثم تلفت صرة الآخر ، وهذا على أصل ابن القاسم .

أبو الحسن ولابن رشد عكس هذا ، قال إن اشترى بعد التلف وهو لم يعلم فهو بالخيار بين أن يلزمه ما اشتراه أو ينفرد به لأنه يقول لو علمت تلفه لم أشتر إلا لنفسي ، وما [ ص: 257 ] اشترى بعد علمه تلف ما أخرجه صاحبه فهو له خاصة . ا هـ . فالتأويل الأول في كلام المصنف الذي أشار إليه بقوله وهل إلا أن يعلم بالتلف فله وعليه هو الذي يناسب ما ذكره أبو الحسن عن ابن رشد ، والمعنى أن ما ذكره من أن ما اشترى بالسالم يكون بينهما محله إذا لم يعلم التلف ، فإن علمه فهي له خاصة إلا أن كلام المصنف يفيد أنه إذا لم يعلمه فالسلعة بينهما بلا خيار لأحدهما ، وكلام ابن رشد يفيد أن المشتري مخير .

فإن قيل قول المصنف بعد إلا أن يدعي ، يفهم منه أنه بالخيار . قلت ليس كذلك لأنه إذا أقر أنه اشترى للشركة ولم يدع الأخذ لنفسه ، فكلام ابن رشد يفيد أنه يخير وكلام المصنف يفيد أنه لا يخير وإنه بينهما لزوما .

والتأويل الثاني في كلام المصنف الذي أشار إليه بقوله أو مطلقا هو الذي يناسب ما ذكره ابن يونس ، إلا أن كلام المصنف يفيد أنه بينهما ، ولا خيار لأحدهما سواء اشترى بعد العلم بالتلف أو قبله ، وما ذكره ابن يونس يفيد أنه إن اشترى بعد علمه التلف يخير شريكه الذي تلفت صرته في شركته وتركها والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية