صفحة جزء
[ ص: 247 - 248 ] ( باب )

القسمة : تهايؤ في زمن : كخدمة عبد شهرا ، وسكنى دار سنين : [ ص: 249 - 250 ] كالإجارة


( باب ) في بيان القسمة وأقسامها وأحكامها وما يتعلق بها

ابن عرفة القسمة ، تصيير مشاع من مملوك مالكين معينا ولو باختصاص تصرف فيه بقرعة أو تراض ، فيدخل قسم ما على مدين ولو كان غائبا ، نقله الشيخ عن ابن حبيب ، ورواه ابن وهب في طعام سلم ويخرج تعيين معتق أحد عبديه أحدهما ، وتعيين مشتري أحد ثوبين أحدهما ، وتعيين مطلق عدد موصى به من أكثر منه يموت الزائد عليه قبل تعيينه بالقسمة ، ولم يعرفها ابن الحاجب ولا شارحوه . وعرفها الغبريني : بأنها اختصاص الشريك بما كان له مشاعا ، يرد بأن اختصاص الشريك بالمشاع ثابت حال شركته خاصة لها أو عرضا عاما لها ولمقابلها ، فهو مباين للقسمة أو أعم منها ، فيمتنع تعريفها به ودليل ثبوته حال الشركة فقوله مع غيرها إن باعت إحدى الزوجتين الوارثتين دارا حظها منها ، فالأخرى أحق بالشفعة فيه من سائر الورثة ، فلولا اختصاصها بحظها مشاعا ما كانت أشفع ، وإن عنى بقوله اختصاص الشريك أن يتعين له ما كان مشاعا ففيه عناية بغير لفظ يعينها مع يسره ، ويبطل اطراده باختصاص موصى له بعدد من أكثر منه المتقدم ذكره ، واختصاص من تعدى على شريكه ما أتلف من المشترك بينهما المثلي قدر حظ المتعدي كنقله قفيز حنطة بينهما في مفازة غررا تلف قدر حظ الناقل منه . ا هـ . وتعقب ابن ناجي حد ابن عرفة بمن اشترى ويبة مثلا من صبرة يأخذها منها وهي ليست بقسمة وحده ينطبق عليها ; لأن مشتري الويبة صار مالكا لها في الصبرة البساطي [ ص: 248 ] في تعيين أحد الثوبين إن كان على الخيار فهو لم يملك شيئا قبله ، وإن كان على البت فيلزم أنه من أفراد القسمة .

غاية ما فيه أن لأحد الشريكين التعيين وهو لا يقدح فيها ، أفاده تت في كبيره . أقول لا خفاء في عدم ورود هذين الإيرادين على حد ابن عرفة . أما إيراد ابن ناجي فلأن شراء الويبة من الصبرة ليس تصيير مشاع من مملوك مالكين معينا ، بل هو تصيير بعض مملوك مالك واحد مملوكا لغيره شائعا ، فكيف ينطبق عليه حده ، وتعليله لا ينتج انطباقه عليه ، فدعواه ودليله باطلان . وأما إيراد البساطي فلأن المشهور في بيع الخيار الانحلال ، وأن الملك للبائع . وتعريف ابن عرفة مبني عليه ، فتعيين أحدهما ليس قسمة لأنه تصيير مشاع من مملوك مالك واحد معينا ، والله أعلم . البناني لو قال مالكين فأكثر وحذف ولو زاد أو قبل بقرعة لكان أحسن ، والله أعلم .

( القسمة ) الشرعية ثلاثة أقسام الأول ( تهايؤ ) بفتح فوقية أوله ونون أو تحتية مضمومة عقب الألف أو موحدة مكسورة ويليها همز على الأولين وتحتية على الأخير لأن كل واحد هنأ صاحبه بما دفعه له ، وهيأه وجهز له ووهبه له فهو على الأول من التهنئة ، وعلى الثاني من التهيئة ، وعلى الثالث من الهبة لكن بقلب مكاني . الرجراجي المهأناة تقال بالمنون لأن كل واحد منهما هنأ صاحبه بما أراده ، وتقال بالباء أيضا لأن كل واحد منهما وهب لصاحبه الاستمتاع بحقه في ذلك الشيء مدة معلومة . وتقال بالياء التحتية باثنتين لأن كل واحد منهما هيأ لصاحبه ما طلبه منه ، والتهانيء قسمة المنافع المشتركة ( في زمن ) معلوم كيوم أو أسبوع أو شهر أو عام ومثل لها بقوله ( كخدمة ) رقيق مشترك بين اثنين أو أكثر أحد الشريكين أو الشركاء ( شهرا ) ويخدم الشريك الآخر شهرا أيضا وهكذا ( وسكنى دار ) أحد الشريكين أو الشركاء ( سنين ) والشريك الآخر كذلك وهكذا ، أو زراعة أرض مأمونة الري أحد الشريكين أو الشركاء والآخر كذلك وهكذا .

" ق " ابن شاس القسمة ثلاثة أوجه مهايأة وهي ضربان ، مهايأة في الأعيان ، ومهايأة بالزمان . ابن رشد قسمة المنافع لا تجوز بالقيمة على مذهب ابن القاسم ، ولا يجبر عليها من [ ص: 249 ] أباها ولا تكون إلا على المراضاة والمهايأة ، وهي على وجهين بالأزمان ، مثل أن يتفقا أن يستغل أحدهما الدابة أو يستخدمها أو يسكن الدار أو يحرث الأرض مدة من الزمان والآخر مثلها أو أقل أو أكثر ، فهذه يفترق فيها الاستغلال والاستخدام . الوجه الآخر أن يكون التهايؤ في الأعيان بأن يستخدم هذا عبدا وهذا عبدا أو يزرع هذا أرضا وهذا أرضا ، أو يسكن هذا دارا وهذا دارا .

أما التهايؤ في الاستخدام فروى ابن القاسم يجوز في الشهر ابن القاسم وأكثر من الشهر قليلا . وأما التهايؤ في الدور والأرضين فيجوز فيها السنون المعلومة والأجل البعيد ككرائها قاله ابن القاسم ، ووجهه أنها مأمونة إلا أن التهايؤ إذا كان في أرض الزراعة فلا يجوز إلا بأن تكون مأمونة بما يجوز فيه النقد . غ إن قلت قد قرر ابن رشد وعياض وابن شاس أن قسمة المهايأة ضربان مهايأة في الأعيان ومهايأة في الزمان ، فالأول أن يأخذ أحد الشريكين دارا يسكنها ، والآخر دارا يسكنها ، وهذا أرضا يزرعها ، والآخر أرضا يزرعها .

والضرب الثاني أن تكون المهايأة في عين واحدة بالأزمنة ، كدار يسكنها هذا شهرا وهذا شهرا ، وأرض يزرعها هذا سنة وهذا سنة ، وبذا فسر في التوضيح كلام ابن الحاجب فما باله اقتصر هنا على الأزمان دون الأعيان حيث قال في زمن . قلت ينبغي أن يحمل كلامه على القسمين لأن الزمن المعلوم لا بد منه فيهما ، وعلى هذا فقوله كخدمة عبد شهرا يتناول صورتين ، إحداهما أن يكون العبد الواحد بين الشريك يستخدمه كل منهما شهرا ، والثانية أن يكون لهما عبدان يستخدم أحدهما أحد العبدين شهرا والآخر الآخر كذلك ، ولا يشترط مساواة المدتين ، وإنما يشترط حصرهما ، وأفهم مثل ذلك في [ ص: 250 ] السكنى جوازا ، وفي الغلة منعا ، ومما يزيد هذا وضوحا مناقشة ابن عرفة عياضا إذ قال وقول عياض هي ضربان مقاسمة الزمان ومقاسمة الأعيان يوهم عرو الثاني عن الزمان ، وليس كذلك . ومحمله إن كان المشترك فيه واحدا فتعلق القسم بالزمان لذاته ، وإن كان المشترك فيه متعددا فتعلق القسم فيه بالزمان بالعرض لأن متعلقه بالذات بعض آحاد المشترك فيه ، ولا بد فيه من الزمان إذ به يعرف قدر الانتفاع . ونص ابن عرفة وهي أنواع ، الأول : قسمة مهانأة بالنون وبالياء ، وهي اختصاص كل شريك بمشترك فيه عن شريكه فيه زمنا معينا من متحد أو من متعدد وتجوز في نفس منفعته لا في غلته وفي مدتها ثلاثة . الشيخ عن ابن عبدوس روى ابن القاسم قول أحد الشريكين في العبد أختدمه أنا اليوم وأنت غدا أو شهرا بشهر جائز ابن القاسم وأكثر من شهر وشبهه . محمد إنما تجوز خمسة أيام فأقل والربع . ابن عبدوس عن ابن القاسم تجوز في الدور والأرضين وما هو مأمون التهايؤ السنين المعلومة والأجل ككرائها وليس لأحدهما فسخه ، وإن تهايئوا في دور أو أرضين على أن يسكن كل واحد أو يزرع ناحية جاز . وروى محمد لا يجوز في الدابة أن يقول خذ كسبها اليوم وآخذ كسبها غدا ، وكذلك العبد ، وروى محمد إلا في يوم واحد ابن عات قيل في غلة الرحى يومان . وقول عياض هي ضربان إلخ ما تقدم عنه .

( كالإجارة ) في اللزوم ، وشرط تعيين المدة لا فرق بين الواحد والمتعدد كعبدين بينهما يخدم أحدهما أحد الشريكين شهرا والآخر يخدم الشريك الآخر كذلك ، ولا يشترط تساوي المدتين ، إنما الشرط حصرهما . الحط نبه بهذا على أن قسمة التهايؤ إذا كانت في زمن معين لازمة كالإجارة ، وشمل كلامه المقسوم المتحد يأخذه كل واحد منهما أو منهم مدة معينة ، والمقسوم المتعدد يأخذ كل واحد منهما أو منهم واحدا منه مدة معينة ولا يشترط تساوي المدتين فيهما . ومفهوم قوله في زمن كالإجارة أنها لو كانت من غير تعيين زمن لا تكون كالإجارة ، وهو يشير إلى قول ابن الحاجب ، فالأولى أي المهايأة إجارة لازمة يأخذها كل واحد [ ص: 251 ] منهما ، أو إحداهما مدة معينة وغير لازمة كدارين يأخذ كل واحد سكنى دار ا هـ .

في التوضيح هذا القسم أي المهايأة على قسمين مقاسمة زمان ومقاسمة أعيان ، أشار المصنف إليهما بقوله فالأولى إلى قوله مدة معينة ، وقوله أو إحداهما راجع إلى الدارين ، وقوله مدة معينة يعم الصورتين ، ويحتمل عوده إلى الثانية ويضمر بعد الأول مثله ، والدار الواحدة إنما يتصور فيها قسمة زمان بخلاف الدارين ، فإنها مقاسمة أعيان . وقوله وغير لازمة كدارين يأخذ كل واحد منهما سكنى دار ، أي من غير تعيين مدة . ا هـ . وقال ابن عبد السلام قوله وغير لازمة هذا نوع من أنواع الإجارة على الخيار ، ولا يشترط ضرب الأجل لأن كل واحد منهما له أن يحل متى شاء ، ولا يمكن تصويرها بالمثال الأول من مثالي اللازمة إلا بأن يأخذ أحدهما بيتا من الدار مثلا ويأخذ الآخر كذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية