صفحة جزء
[ ص: 430 - 431 ] باب ) صحة الإجارة [ ص: 432 ] بعاقد ، وأجر : كالبيع


[ ص: 431 ] باب ) في بيان أحكام الإجارة وكراء الدواب والحمام والدار والأرض وما يناسبها

( صحة ) بكسر الصاد المهملة وشد الحاء ، أي موافقة ( الإجارة ) الشرع بكسر الهمز وحكي ضمه من الأجر ، أي الجزاء ، وفي فعلها المد والقصر ، وأنكر الأصمعي المد . عياض وهو الصحيح ، ونقله غير واحد ، ولما كان أصل هذه المادة الثواب على العمل ، وهو منفعة خصت الإجارة في إصلاح الشرع بالعقد على المنفعة على قاعدة العرف من تخصيص كل نوع من جنس باسم ليحصل التعارف عند التخاطب ، وقد علم وضع الفعالة بالكسر للصانع نحو الصباغة والحياكة والخياطة والتجارة والفعالة بالفتح لأخلاق النفوس ، كالسماحة والشجاعة والفصاحة والفعالة بالضم لما يطرح من المحقرات نحو الكناسة والقمامة والنخالة ، أفاده في الذخيرة . وفي اللباب حقيقتها تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم ، وعرفها ابن عرفة بأنها عقد معاوضة على منفعة ما يمكن نقله غير سفينة وبهيمة بعوض غير ناشئ عنها بعضه يتبعض بتبعيضها فيخرج كراء الدور والسفن والرواحل والقراض والمساقاة والمغارسة والجعل قال وقلت بعضه يتبعض خوف نقض عكسه بمثل قوله تعالى { أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } ، فإنها إجارة إجماعا لقولها { يا أبت استأجره } ، وعوضها لا يتبعض ، وقول القاضي هي معاوضة على منافع الأعيان لا يخفى بطلان طرده ، ونحوه قول عياض بيع منافع معلومة بعوض معلوم مع خروج فاسدها عنه ، والحد يتناول الصحيح والفاسد . [ ص: 432 ] وقولها يجوز أن يستأجر طريقا في دار رجل أو مسيل صب مرحاض مجازا لأنه أخف من الاشتراك ، واعترضه " غ " بأن لفظ البعض مبهم لا يناسب التعريف ، وبأنه يلزمه دخول الجعل في التعريف فيبطل طرده على أنه لو حذف لفظ بعض لم تخرج الإجارة بالبضع لأن تبعيض المنفعة فيها يوجب الرجوع في صداق المثل ، وهو يتبعض بتبعيضها فتدخل في قوله يتبعض إلخ ، أي حقيقة ، أو حكما ، ولو قال يتبعض بتبعيضها أو بضعا وحذف لفظ بعض المسلم من ذلك كله . الغرناطي الإجارة تطلق اصطلاحا على العقد على العاقد والمنقول إلا السفينة والبهيمة والكراء على العقد على منافع ما لا ينقل والسفينة والبهيمة ، هذا هو الأصل ، وقد يطلق أحدهما على معنى الآخر ، ففيها إن استأجرت منه دارا بثوب إلخ . وفي اللباب خص تمليك منفعة الآدمي باسم الإجارة وتمليك منفعة المملوكات باسم الكراء

وحكمها الجواز ابتداء واللزوم بنفس العقد ما لم يقترن به ما يفسدها . ابن عرفة محمد هي جائزة إجماعا . الصقلي خلاف الأصم فيها لغو لأنه مبتدع ، وفيها مع غيرها عقدها لازم كالبيع . ا هـ . وقد يعرض لها الوجوب إذا لم يجد إلا من يستأجره ووجبت إعانته وحكمة مشروعيتها التعاون ودفع الحاجات ، وقد نبه الله تبارك وتعالى على هذا بقوله تعالى { ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا } ، وخبر صحة الإجارة ( ب ) جنس ( عاقد ) فشمل المؤجر بكسر الجيم والمستأجر كذلك ( وأجر ) بفتح فسكون ، أي عوض متمول ( ك ) عاقد وعوض ( البيع ) في كون الأول مميزا ، والثاني ظاهرا منتفعا به مقدورا عليه معلوما غير منهي عنه إلى آخر ما تقدم فيه . ابن شاس أركان الإجارة ثلاثة ، الأول العاقدان ولا يخفى أمرهما . الركن الثاني الأجرة . ابن الحاجب العاقدان كالمتبايعين .

ابن عرفة هذا ظاهر المذهب والأجر كالثمن يطلب كونه معروفا قدرا وصفة ، وأورد عليه أنه يقتضي أن كل ما يصلح ثمنا يصلح أجرا ، وهذا منقوض بما يخرج من الأرض والطعام ، فإنهما يصلحان ثمنا ولا يصلحان [ ص: 433 ] أجرا لها ، وأجيب بأن المراد كل ما يصلح للثمنية من حيث هو يصلح أجرا كذلك ، وهنا عدم الصلاحية لمانع عارض ، وهو النهي كالبيع وقت الجمعة ، وقد يقال لا إيراد ، إذ مما أفاده التشبيه عدم النهي ، وقد ثبت النهي عن كراء الأرض بما يخرج منها وبالطعام فانتفى الشرط الذي هو عدم النهي ، وأنه يقتضي فساد إجارة الخياط والحجام وكراء الحمام إذا لم تعين الأجرة ابتداء ، وهو خلاف ما في سماع ابن القاسم مالكا رضي الله تعالى عنهما من صحتهما إذا كان مخالطا وأرضاه بعد عمله كما جرى به العمل . وأجيب بندور هذا ، والكلام بالنظر للغالب . ونص السماع سئل الإمام مالك رضي الله تعالى عنه عن الخياط الذي بيني وبينه الخلطة ولا يكاد يخالفني أستخيطه الثوب ، فإذا فرغ منه وجاء به أرضيته بشيء أدفعه إليه ، فقال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه لا بأس بذلك . ابن رشد هذا كما قال لأن الناس استجازوه ومضوا عليه ، وهو نحو ما يعطى الحجام من غير أن يشارطه على أجرة عمله قبله وما يعطى في الحمام والمنع من هذا ، وشبهه تضييق على الناس ، وحرج في الدين وغلو فيه ، والله تبارك وتعالى قد قال في كتابه العزيز { ما جعل عليكم في الدين من حرج }

وقال { لا تغلوا في دينكم } ، ودليله من السنة ما ثبت { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة فأمر له بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه خراجه } ، وأجاز الإمام مالك رضي الله تعالى عنه أن يؤاجر الخياط على خياطة ما يحتاج إليه هو وأهله من الثياب في السنة والقرآن على خبز ما يحتاج إليه من الخبز سنة أو شهرا إذا عرف عيال الرجل وما يحتاجون إليه من ذلك . ابن يونس وهذا معروف لأن الأكل لا بد منه ، ومقدار أكل الناس معروف ، والثياب قريب منه ، وكره اللخمي استعمال الصانع حتى يقاطع بشيء مسمى ، وكرهه ابن حبيب أيضا ، قال ولا يبلغ التحريم والأمر فيه واسع . ( فروع )

الأول : في الذخيرة ابن يونس إذا قلت خطه بدرهم ، وقال بدرهمين فخاطه فليس له [ ص: 434 ] إلا درهم قاله ابن القاسم لأنك أعلمته بما ترضى به ، وكذلك قول ساكن الدار . وفي النوادر عن الإمام مالك رضي الله تعالى عنه من رواية ابن المواز من دفع ثوبا لخياط فقال لا أخيطه إلا بدرهمين ، وقال ربه لا أخيطه إلا بدرهم ، وجعله عنده فخاطه فليس له إلا درهم ، ومن سكن منزلا فقال له ربه بدينارين في السنة ، وقال الساكن لا أعطي إلا دينارا وإلا فاخرج إن لم ترض فسكت ولم يجبه بشيء حتى تمت السنة قال لا يلزمه إلا دينار . ابن رشد مسألة الخياط لا تشبه كراء المنزل لأن رب الثوب لم يتول استيفاء المنفعة بنفسه فلا فرق بين تقدم قوله وقول مصاحب الثوب والساكن استوفى المنفعة بنفسه مع علم رب المنزل به ففرقوا بين تقدم قوله على قول ربه وتأخره عنه .

الثاني : سئل ابن أبي زيد عن حارس الزرع والزيتون ليلا ونهارا بالضمان أو بغيره على أن كل قفيز عليه مدان أو ثلاثة ، فهل يصح ؟ وهل يلزمهم تفريغ الشباك والأحمال ؟ فأجاب أما استئجارهم لكل قفيز مدان فجائز وسواء قلت الأقفزة أو كثرت لاغتفار جهل الجملة إذا علم التفصيل على المذهب ، فإن شرطوا تفريغ الشباك وتنزيل الأحمال فيلزم ، وإلا فلا ، وشرط الضمان عليهم لا يلزم وله أجرة مثله ممن لا ضمان عليه .

الثالث : سئل أيضا عن حراستهم الأندر كله بأقفزة معلومة ، ومنهم من له ألف ، ومنهم من له مائة ، ومنهم من له أكثر ، ومنهم من له أقل ، هل هو على عدد الرءوس أو على قدر ما لكل ؟ فأجاب إن كان استئجارهم قبل حصوله في الأندر ورؤيته فلا يجوز ، وإن كان بعد حصوله ورؤيته فيجوز ونقض على قدر ما لكل . وقال سحنون على الرءوس والأول أحب إلي .

الرابع : فيها لو سكن أجنبي طائفة من دارك وقد علمت به ولم تخرجه فيلزمه كراء ما سكن . أبو الحسن لأن الأصل فيها المعاوضة لا الإرفاق ، ولا يمين عليك إلا أن يدعي عليك أنك أرفقته فتجري على الخلاف في دعوى المعروف .

الخامس : في نوازل ابن الحاج إذا خرج أحد الشريكين في دين لاقتضائه دون إذن [ ص: 435 ] صاحبه فاقتضاه كله أو بعضه وطلب الأجرة من صاحبه وجبت له بعد حلفه ما خرج لذلك متطوعا إلا أن تشهد العادة أن مثله لا يأخذ أجرة على ذلك .

السادس : سئل الإمام مالك رضي الله تعالى عنه عمن رهنت عنده دار واقتضى غلتها ثم طلب أجرة اقتضائه إياها فقال من الناس من يكون له ذلك ، ومنهم من لا يكون له ذلك فالرجل الذي يشبه أن يعمل بأجرة ومثله يؤجر نفسه في مثله فأرى ذلك له ، وأما من مثله بعين فلا أرى ذلك له . ابن رشد بعد يمينه ما قام به احتسابا ، وإنا فعل ذلك ليقوم بأجرته .

السابع : في المسائل الملقوطة إذا عجز رب الدابة عن علفها وتركها في الصحراء فعلفها غيره ثم وجدها قال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه ربها أحق بها لأنه مكره على تركها بالإضرار به ، ويدفع ما أنفق عليها ، وقيل هي لعالفها لإعراض ربها عنها ولا شيء له في قيامه عليها لأنه قام عليها لنفسه .

الثامن : علم من تشبيه عاقدها بعاقد البيع أن المحجور عليه إذا أجر نفسه بغير إذن وليه صح وتوقف لزومه على إجازة وليه قاله في المدونة . وفي المتيطية ليس لذي الأب أو الوصي أن يؤاجر نفسه بدون إذن وليه ، فإن فعل نظر فيه وليه فيمضيه أو يرده ما لم يعمل ، فإن كان عمل فله الأكثر من المسمى وأجرة مثله ، فإن أصابه شيء من عمله فله أرش النقص ، وإن هلك فله الدية وله الأجرة إلى يوم الإصابة ، وليس له فيما أصابه من غير العمل شيء .

التاسع : إن أجر الرجل ابنه من نفسه أو من غيره ومثله لا يؤجر فسخت الإجارة وينفق الأب عليه إن كان غنيا ولا مال للولد ، فإن كان له مال أنفق عليه منه ، وله أن يؤاجره فيما لا معرة فيه على الابن إن كان الأب فقيرا أو مقلا أو أراد تعليمه فيجوز حينئذ له ذلك ، وينفق عليه من أجرته ، فإن فضل منها شيء حبسه له ولا يجوز له أن يأكل ما فضل من عمل الصبي وإن كان فقيرا خوفا من أن لا يتمكن الصبي من العمل في [ ص: 436 ] المستقبل أو لمرض فلا يجد ما يأكل . وقال ابن لبابة لا بأس أن يأكل بالمعروف .

العاشر : المتيطي وابن فتوح يجوز عقد الحاضنة على محضونها إما كانت أو غيرها ، ولا يفسخ إلا أن يزاد في أجرة الصبي فتقبل الزيادة ويفسخ عقد الأم وينظر له أحسن المواضع ولو بأقل من موضع آخر ، ولا تقبل الزيادة في عقد الوصي إلا أن يثبت أنه غبن على اليتيم .

الحادي عشر : لا يجوز استئجار العزب امرأة لخدمته في بيته ولو كان مأمونا ، فإن كان له أهل جاز إن كان مأمونا وكانت المرأة متجالة لا إرب للرجال فيها ، أو كانت شابة ومستأجرها شيخ كبير .

الثاني عشر : سئل الإمام مالك رضي الله تعالى عنه عن المرأة العزبة الكبيرة تلجأ إلى الرجل فيقوم لها بحوائجها ويناولها الحاجة هل ترى له ذلك حسنا ، قال لا بأس به ، وليدخل معه غيره أحب إلي ، ولو تركها الناس لضاعت . ابن رشد هذا على ما قال إذا غض بصره عما لا يحل له النظر إليه مما يظهر من زينتها لقوله تعالى { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } وذلك الوجه والكفان على ما قاله أهل التأويل فجائز للرجل أن ينظر إلى ذلك من المرأة عند الحاجة والضرورة ، فإن اضطر إلى الدخول عليها أدخل غيره معه ليبعد سوء الظن عن نفسه . فقد ورد { أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرا عليه ليلا ومعه صفية زوجته رضي الله تعالى عنها فسلما عليه وانطلقا فقال لهما على رسلكما إنها صفية بنت حيي فقالا سبحان الله يا رسول الله فقال إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وإني خشيت أن يلقي في قلوبكما فتهلكا } .

التالي السابق


الخدمات العلمية