صفحة جزء
وكراء دابة لكذا [ ص: 460 ] على إن استغنى فيها : حاسب ، [ ص: 461 ] واستئجار مؤجر ، أو مستثنى منفعته ، والنقد فيه إن لم يتغير غالبا


( و ) جاز ( إجارة دابة ) من كذا كمصر ( لكذا ) كالمدينة المنورة على ساكنها [ ص: 460 ] أفضل الصلاة والسلام بقدر معين من الدنانير أو الدراهم ( على ) شرط ( إن استغنى ) المكتري عن ركوب الدابة ( في ) أثناء ( ها ) أي المسافة لظفره بحاجته التي سافر إليها من وجود آبق أو بعير شارد أو مدين هارب مثلا فسخ الإجارة و ( حاسب ) رب الدابة بأجرة المسافة التي ركبها قبل استغنائه إن لم ينقد ، وإلا لزم التردد بين السلفية والثمنية لخفة الغرر ، إذ الأصل والغالب عدم استغنائه فيها ، فاندفع قول ابن عاشر ما وجه جوازها ، مع أن المؤجر لا يدري ما باع من المنفعة ونحوه للخرشي ، وأجاب بيسارة الغرر لما تقدم والله أعلم . من العتبية والموازية قال الإمام مالك رحمه الله تعالى من تكارى دابة بدينار إلى بلد كذا على أنه إن تقدم بها فبحساب ما تكارى منه فذلك جائز إذا سمى موضع التقدم أو عرف نحوه وقدره ، وإن لم يسمه مثل أن يقول عبدي الآبق بذي المروة فاكترى منك إليها بدينار ، فإن تقدمت فبحساب ذلك ، فهذا لا بأس به لأنه أمر قد عرف وجهه ، فهو كتسمية الموضع الذي يتقدم إليه . فأما إن تكارى منه إلى موضع بدينار على أنه أينما يبلغ من الأرض كلها فبحسابه فلا خير فيه ، مرة يذهب إلى العراق ومرة إلى الغرب ، فلا يجوز حتى يكون موضع التقدم معلوما مسمى أو أمرا له وجه يعرف قدره وإن لم يسمه ابن المواز ، ثم لا ينقده إلا كراء الغاية الأولى ، فإن نقده الكراءين دخله بيع وسلف . قال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه ومن اكترى دابة في طلب ضالة أو آبق فلا يجوز حتى يسمي موضعا ، فإن سماه وقال إن وجدت حاجتي دون ذلك رجعت وكان علي من الكراء بحسابه فذلك جائز إن لم ينقده .

ابن رشد قوله لا بأس به إن لم ينقده هو سماع ابن القاسم في اكتراء الدار سنة ، على أنه إن خرج قبلها حاسبه بما سكن ، ومثله قوله في المدونة في إجارة الرجل شهرا على أن يبيع له ثوبا على أن المستأجر متى شاء ترك أنه جائز إن لم ينقد لأنها إجارة بخيار فضل ، ومنعها سحنون ، لأنه خيار إلى أمد بعيد . ابن رشد ليس كما قال لأنه إنما هو بالخيار في الجميع الآن ، وكلما مضى من الشهر شيء كان بالخيار فيما بقي . [ ص: 461 ] و ) جاز ( استئجار مؤجر ) بضم الميم وفتح الجيم سواء استأجره مؤجره أو غيره ، والمعنى أن الشيء المستأجر رقيقا أو عقارا أو بهيما تجوز إجارته لمن هو مستأجره أو لغيره مدة تلي مدة الإجارة الأولى ( أو ) أي وجاز استئجار شيء مبيع ( مستثنى ) يفتح النون ونائب فاعله ( منفعته ) من بائعه مدة معينة يبقى المبيع على حاله غالبا لا يغير عنه إلى انتهائها ، فلمشتريه إجارته مدة معينة تلي مدة الاستثناء . ابن الحاجب يصح استئجار الرقبة وهي مستأجرة ، أو مستثنى منفعتها مدة تبقى فيها غالبا والنقد فيها يختلف باختلافها . ابن عبد السلام الرقبة تشمل الحيوان وغيره .

أ ( و ) يجوز ( النقد ) أي تعجيل الأجر ( في ) إيجار ( هـ ) أي المؤجر أو المستثنى منفعته ( إن لم يتغير ) المؤجر أو المستثنى منفعته قبل فراغ مدة الإجارة الثانية أي إن ظن أو تحقق بقاؤه بحاله حتى تتم المنفعة للمستأجر ، وإلا كان من الغرر ، وإذا أجازوا شرط النقد في العقار على أن يقبض بعد سنين ، ولم يجيزوه في الحيوان إلا في المدة القصيرة كعشرة الأيام . ابن شاس له أن يكري الدار إلى حد لا تتغير فيه غالبا وينتقد . فأما ما لا يؤمن تغيرها فيه لطول المدة أو ضعف البناء وشبه ذلك ، فيجوز العقد دون النقد ما لم يغلب على الظن أنها لا تبقى إلى المدة المعينة فلا يجوز كراؤها إليها . فيها للإمام مالك رضي الله تعالى عنه لا بأس بإجارة العبد عشر سنين وخمس عشرة سنة ، ولا أرى به بأسا والدور أبين أن ذلك جائز فيها ، ويجوز تقديم الأجرة فيه بشرط . ابن يونس تجوز إجارة الدور ثلاثين سنة بالنقد والمؤجل لأنها مأمونة . البناني فقوله إن لم يتغير أي في المدة الثانية لأن كلامهم فيها ، ثم قال والصور هنا ثلاثة غلبة سلامته إلى انقضاء مدة الإجارة الثانية وغلبة تغيره فيها واحتمال الأمرين على السواء ، فإن غلب التغير امتنع العقد ، وإن غلبت السلامة جاز العقد والنقد ، وإن احتمل الأمرين جاز العقد عند ابن عرفة وابن شاس ، وامتنع عن ابن الحاجب والموضح . فقوله إن لم [ ص: 462 ] يتغير غالبا شامل لصورتي غلبة السلامة واحتمال الأمرين فهو على كلام ابن شاس ، هذا إن رجع الشرط للمؤجر والمستثنى منفعته ، لكنه يقتضي أن النقد جائز في الثانية وليس كذلك ، وكذا إن رجع له ولما بعده ، فإن رجع لقوله والنقد فقط اقتضى مع ذلك أن النقد جائز في الصور الثلاثة ، وليس كذلك فلو قال المصنف والنقد فيه إن سلم غالبا لم يرد عليه ما ذكرناه . وأجيب بأن ما ذكر مبني على أن معنى قوله إن لم يتغير غالبا هو إن لم يغلب تغيره كما هو ظاهر ، ويحتمل أن معناه أن انتفى التغير غالبا ، أي إن كان الغالب انتفاء . فالحال قيد في النفي لا في المنفي ، فيسلم مما تقدم والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية