صفحة جزء
ومشاهرة ، ولم يلزم لهما ، [ ص: 23 ] إلا بنقد فقدره :


( و ) جاز كراء الدار ونحوها مياومة و ( مشاهرة ) ومساناة بأن يكتريها كل يوم أو كل شهر أو كل سنة بكذا ، وصح و ( لم يلزم ) العقد فيما ذكر ( لهما ) أي المتعاقدين ، سواء سكن بعض الشهر أو السنة أو لا عند ابن القاسم ، وفي روايته عن الإمام مالك [ ص: 23 ] رضي الله تعالى عنهما فيها واختارها ابن يونس ، وروى مطرف وابن الماجشون لزومها في أقل المسمى من شهر أو عام واختاره اللخمي . واستثنى من عدم اللزوم فقال ( إلا ) إذا كانت المشاهرة مصحوبة ( بنقد ) أي تعجيل كراء من المكتري للمكري ( ف ) يلزم ( قدره ) أي المنقود من كراء شهر أو سنة أو أكثر ، فإن كان قال كل يوم أو شهر أو عام بدرهم وعجل عشرة أيام أو أشهر أو سنين .

فيها للإمام مالك رضي الله تعالى عنه من قال لرجل أكتري منك دارك أو حانوتك أو أرضك أو غلامك أو دابتك في كل شهر أو في كل سنة بكذا ، أو قال في الشهر أو في السنة بكذا أو الشهر أو السنة فلا يقع الكراء على تعيين ، وليس بعقد لازم ، فلرب الدار أن يخرجه متى شاء ، وللمكتري أن يخرج متى شاء ، ويلزمه حصة ما سكن من الكراء . ابن يونس كأنه في ذلك كله قال له أكريك من حساب الشهر أو السنة بكذا ، هذا موضوع هذه الألفاظ إلا أن ينقده في ذلك كراء شهر أو سنة فيلزمه تمام الشهر أو السنة . البناني هذا قول ابن القاسم ، وهو أحد ثلاثة أقوال .

ابن رشد في المقدمات في كراء الدور مشاهرة ثلاثة أقوال : أحدها قول ابن القاسم لا يلزمه الشهر الأول ولا ما بعده ، وله أن يخرج متى شاء ، ويلزمه من الكراء بحسب ما سكن . والثاني قول ابن الماجشون يلزمهما الشهر الأول ولا يلزمهما ما بعده . والثالث رواية ابن أبي أويس عن مالك رضي الله تعالى عنه يلزمه كراء الشهر بسكنى بعضه كان أول الأشهر أو لم يكن ، وكذلك تجري الأقوال الثلاثة في كراء الدور مساناة . ا هـ . وذكرها ابن عرفة وغيره أيضا ، والقول الأول هو مذهب المدونة وعبارتها : وليس بعقد لازم ، ولرب الدار أن يخرجه متى شاء ، وللمكتري أن يخرج متى شاء . وذكر أبو الحسن القول الثاني عن رواية مطرف وابن الماجشون ثم قال : وهو أحسن ; لأنهما أوجبا بينهما عقدا ولم يذكرا فيه خيارا ، فوجب أن يحمل على أقل ما تقتضيه تلك التسمية ، وذكرها الشيخ ميارة في شرح التحفة ، وقال : وعلى هذا القول الثالث العمل عندنا ، وأن [ ص: 24 ] من اكترى مشاهرة كل شهر بكذا إذا سكن بعض الشهر كأربعة أيام لزم كلا منهما بقية الشهر فليس لأحدهما خروج عن ذلك إلا برضا الآخر ، ومن قام منهما عند رأس الشهر فالقول قوله .

( تنبيه ) اللخمي قد يلزم المكري الصبر إلى مدة لم يذكراها في العقد للعادة في ذلك ، كمن يكتري مطمرا ليطمر فيه قمحا وشعيرا أو ما أشبه ذلك كل شهر أو كل سنة بكذا ، فليس للمكري إخراجه ولا يجبر المكتري على إخراج ذلك إلا أن تتغير الأسواق إلى ما العادة البيع في مثله ، فإن لم يبع فللمكري إخراجه ، وهكذا جرت العادة عندنا في كراء المطامير ، وإن أراد المكتري إخراج ذلك قبل غلائه ، فليس للمكري منعه منه ; لأن البقاء من حق المكتري ويعفى عما يكون في ذلك من غرر المدة ; لأنه مما تدعو الضرورة إليه ، وينظر إلى العادة في خزن الزيت فيحملان عليها ، وكذلك العادة في كراء المخزن للطعام في الصيف ، ويعلم أنه قصد أن يشتي عليه فليس للمكري إخراجه قبله ، نقله ابن عرفة ، ثم قال : حاصل قوله أنه جعل خزن الطعام مؤجلا لغاية في حق المكتري على المكري دون العكس ، ومن الواضح كونه أجلا مجهولا ، وقوله يعفى عن غرر المدة للضرورة فاسد ; لأن هذه الضرورة مما شهد الشرع بإلغائها حسبما تقرر في بيع الغرر وأحاديث النهي عنه ، وكان ابن عرفة ممن ينشد :

لقد مزقت قلبي سهام جفونها كما مزق اللخمي مذهب مالك



التالي السابق


الخدمات العلمية