صفحة جزء
[ ص: 112 - 113 ] على أهل للتملك : كمن سيولد ، [ ص: 114 ] وذمي وإن لم تظهر قربة أو يشترط تسليم غلته من ناظره ليصرفها ، أو ككتاب عاد إليه بعد صرفه في مصرفه .


وصح وقف مملوك ( على أهل ) أي قابل وصالح ( للتملك ) بفتح الفوقية والميم وضم اللام مثقلة ، أي لأن يملك منفعة الموقوف ، فلا يصح وقف مصحف أو رقيق مسلم على كافر الحط هذا الضابط ليس بشامل لخروج نحو المسجد والقنطرة منه ، والصواب ما قاله ابن عرفة المحبس عليه ما جاز صرفه منفعة المحبس له أو فيه ، وإن كان معينا رده اعتبر قبوله ابن شاس لا يشترط في صحة الوقف عليه ، قبوله إلا أن يكون معينا أهلا للرد والقبول ، وفي كون قبوله شرطا في اختصاصه به أو في أصل الوقف خلاف .

ومثل لأهل التملك فقال ( كمن سيولد ) بفتح اللام . ابن عرفة المتيطي المشهور المعول عليه صحته على الحمل . ابن الهندي زعم بعضهم أنه لا يجوز على الحمل ، والروايات واضحة بصحته على من سيولد ، وبها احتج الجمهور على صحته على الحمل وفي لزومه بعقده على من يولد قبل ولادته قولا ابن القاسم والإمام مالك رضي الله تعالى عنهما لنقل الشيخ . روى محمد بن المواز وابن عبدوس لمن حبس على ولده ولا ولد له بيع ما حبسه ما لم يولد له ، ومنعه ابن القاسم قائلا : لو جاز لجاز بعد وجود الولد وموته ، قلت يرد بأنه لما لزم بوجوده استمر ثبوته لوجود متعلقه وقبله لا وجود لمتعلقه حكما ، والأولى احتجاج غيره بأنه حبس قد صار على مجهول من يأتي ، فصار موقوفا أبدا ، ومرجعه لأولى الناس بالمحبس ، ولهم فيه متكلم ، وهو قريب من قول ابن الماجشون . [ ص: 114 ]

ابن الحاجب لو قال على أولادي ولا ولد له ، ففي جواز بيعه قبل إياسه قولان . ابن الماجشون يحكم بحبسه ويخرج إلى ثقة ليصح الحوز ، وتوقف ثمرته ، فإن ولد له فلهم وإلا فلأقرب الناس إليه ، في التوضيح قول ابن الماجشون ثالث رأي أن الحبس قد تم وإن لم يولد له يرجع إلى أقرب الناس للمحبس ، وقوله إن ولد له فلهم ، أي الحبس ، وثمرته وإذا بقي وقفا عليهم رد إليه ; لأنه يصح حوزه قاله الباجي . ابن القاسم وإن مات قبل أن يولد له صار ميراثا .

( و ) ك ( ذمي ) بكسر الذال المعجمة والميم مشددة ، أي كافر ملتزم الجزية وأحكام الإسلام فيجوز وقف المسلم عليه إن ظهرت فيه قربة بأن كان فقيرا أو قريبا للواقف ، بل ( وإن لم تظهر قربة ) في الوقف عليه بأن كان أجنبيا غنيا . ابن عرفة تبع ابن الحاجب ابن شاس في قوله يجوز الوقف على الذمي ، وقبل ابن عبد السلام ولم أعرفه نصا وإلا ظهر جريه على حكم الوصية له . وفي نوازل ابن الحاج من حبس على مساكين اليهود والنصارى جاز لقوله سبحانه وتعالى { ويطعمون الطعام } إلى قوله { وأسيرا } ، ولا يكون الأسير إلا كافرا ، وإن حبس على كنائسهم رد وفسخ . ومن العتبية إن أوصى أتي بماله للكنيسة ولا وارث له دفع ثلثه إلى الأسقف يجعله حيث ذكره والثلثان للمسلمين .

وعطف على قوله لم تظهر قربة فقال ( أو ) أن ( يشترط ) واقفه ( تسليم غلته ) أي الوقف ( من ناظره ) أي الوقف الذي أقامه الواقف عليه للواقف ( ليصرفها ) أي الواقف الغلة في مصرفها ، فهذه مبالغة في صحة الوقف أيضا . ابن عبد الحكم الإمام مالك ( رضي الله عنه ) إن جعل الحبس بيد غيره وسلمه إليه يحوزه ويجمع غلته ويدفعها للذي حبس يلي تفريقها ، وعلى ذلك حبس ، فإن ذلك جائز وأباه ابن القاسم وأشهب ( أو ) كان الموقوف ( ككتاب ) مشتمل على قرآن أو علم شرعي وسلاح حيز عنه ( ثم عاد ) أي للكتاب ونحوه ( إليه ) أي واقفه لينتفع به كغيره أو ليحفظه حتى يستعيره من ينتفع به ثم يرده إليه وهكذا ( بعد [ ص: 115 ] صرفه ) أي الكتاب الموقوف ونحوه ( في مصرفه ) ; لأن صرفه في مصرفه حوز له وعوده له بعد صحة الحوز لا يبطل حوزه .

فيها من حبس في صحته ما لا غلة له كالسلاح والخيل والرقيق وشبهها ، فلم ينفذها ولم يخرجها من يده حتى مات فهي ميراث ، وإن كان أخرجه في وجوهه ورجع إليه فهو نافذ من رأس ماله ; لأنه خرج في وجهه وإن كان أخرج بعضه وبقي بعضه فما أخرجه فهو نافذ ، وما لم يخرجه فهو ميراث .

أبو الحسن ظاهره وإن كان أحدهما تبع للآخر . طفي ليس موضوع المسألة أنه حيز عنه ثم عاد إليه للانتفاع به ، بل تصويرها أنه حبسه وأبقاه تحت يده ، وهو المتولي لأمره فيخرجه في مصرفه ، ثم يرده لحوزه ، ثم قال بعد نقل نصها السابق ، وقال ابن شاس وشرطه خروجه عن يد واقفه وتركه الانتفاع به فإن حبس في صحته ثم أبقاه في يده حياته بطل إذا لم تكن غلته تصرف في مصارفها ، فإن كان يصرفها فيه في صحته ففي بطلانه وصحته ثلاث روايات فرق في الثالثة ، بين أن يكون إنما يخرج غلته مثل أن يكون حائطا أو أرضا أو ما أشبههما فيصرف غلته فيكون باطلا ، وبين أن يكون إنما يخرج أصل الحبس كفرس أو سلاح وما أشبهه فيكون صحيحا ا هـ . وتبعه ابن الحاجب وابن عرفة وغيرهما فأنت ترى أنه ليس فرض المسألة فيما أعاده للانتفاع به ; ولذا قال في التوضيح تبعا لابن عبد السلام ، قيد اللخمي وغيره ذلك بما إذا لم يتصرف فيه إذا عاد إليه تصرف المالك قال وقراءة الكتاب إذا عاد إليه خفيف . ا هـ . والمسألة أيضا مفروضة فيما حبس على غير معينين كما قرر به ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب وأصله للخمي .

ابن عرفة اللخمي ، وهو غير معين كالخيل يغزى عليها والسلاح يقاتل به والكتب يقرأ فيها ، فيصح أن تعود ليد محبسها بعد قبضها . واختلف إن لم يأت وقت إنفاذها للجهاد أو لم تطلب للقراءة حتى مات المحبس ، فهل يبطل تحبيسها ، ولو كان يركب الدابة في عودها إليه لرياضتها لم يبطل ، وإن كان يركبها حسبما يفعل المالك بطل وقراءة الكتاب إن عادت إليه خفيف . قلت وتكون فيها لحفظها من السوس فتكون كرياضة الدابة . [ ص: 116 ] والصقلي لأشهب في الموازية والمجموعة ما كان يرد إليه بعد الانتفاع به فيعلف الخيل من عنده ويرم السلاح وينتفع به في حوائجه ، ويعير ذلك لإخوانه فيموت فهو ميراث ا هـ .

كلام ابن عرفة فافهم هذا المحل ، فإنه مزلة أقدام جمع من الشارحين المحققين لفرضهم المسألة في عوده للانتفاع به ، وقد علمت بطلانه والله الموفق . البناني ، وهو غير صحيح لما نقله أبو الحسن عقب قولها وإن كان يخرجه في وجوهه ويرجع إليه فهو نافذ من رأس ماله ونصه ابن يونس . ابن القاسم فإن احتاج أن ينتفع به مع الناس فلا بأس به فأفاد أن عوده للانتفاع به كعوده لحفظه . وسمع ابن القاسم من حبس شيئا في السبيل وأنفذه فيه زمانا فله الانتفاع به مع الناس إن كان محتاجا .

ابن رشد ينتفع به فيما حبسه فيه لا فيما سواه من منافعه ، نقله ابن عرفة فبان أن الصواب ما قاله الشراح ، وهذا لا ينافي ما قيده اللخمي ، فإن الذي منعه اللخمي هو تصرفه فيه تصرف المالك بأن ينتفع به على غير الوجه الذي حبسه فيه ، وهو ظاهر ، والله أعلم ، وهي مفروضة عند اللخمي وأبي الحسن وابن عرفة وغيرهم في الحبس على غير معين اللخمي الحبس أصناف : صنف لا يصح بقاء يد المحبس عليه ، ولا يحتاج إلى حائز مخصوص كالمساجد وصنف لا يصح بقاء يد المحبس عليه ، ويتعين حائزه ، وهو الحبس على معين ، وصنف يصح بقاء يده عليه إذا أنفذه فيما حبسه عليه كالخيل يغزى عليها والكتب يقرأ فيها . فإذا لم يكن على معين صح أن يعود إلى يده بعد قبضه . واختلف إذا لم يأت وقت إنفاذه للجهاد أو لم تطلب الكتب للقراءة حتى مات محبسه فقيل يبطل حبسه ، ولو كان يركبها حسبما كان يفعل المالك بطل حبسه وقراءة الكتب إذا عادت إليه خفيف نقله .

أبو الحسن فتحصل من كلامه أنه إذا لم يخرجه أصلا حتى مات قبل مجيء وقت إنفاذه ففيه قولان وإن كان أخرجه وظاهره ، ولو مرة كما قاله أبو الحسن صح والله أعلم . أقول بحول الله وقوته : كلام اللخمي نص صريح فيما قاله طفي ، فإنه جعل ركوبها لرياضتها مغتفرا وركوبها للانتفاع مبطلا ، ولكنه مخالف لما في سماع ابن القاسم ، وهو لا يفيد أن [ ص: 117 ] ردها للانتفاع كردها لحفظها إنما يفيد أنها إن عادت إليه لحفظها فله الانتفاع بها إن احتاج له ، والله أعلم ، وهذا يخالف فيه طفي .

التالي السابق


الخدمات العلمية