صفحة جزء
[ ص: 173 - 174 ] باب ) الهبة ; تمليك بلا عوض ولثواب الآخرة ، صدقة


( باب ) [ ص: 174 ] في بيان الهبة وأحكامها وما يتعلق بها

( الهبة ) أي حقيقتها شرعا ( تمليك ) أي لذات جنس يشمل الهبة والبيع ونحوه ( بلا عوض ) فصل مخرج البيع ونحوه ، أي لوجه المعطى بالفتح فقط أو له ولثواب الآخرة معا بقرينة ما بعده فصل مخرج الصدقة ( و ) التمليك لذات بلا عوض ( لثواب ) الله تعالى في الدار ( الآخرة صدقة ) ابن عرفة الهبة أحد أنواع العطية وهي تمليك متمول بغير عوض إنشاء فيخرج الإنكاح والحكم باستحقاق وارث إرثه ، ويدخل العارية والحبس والعمرى والهبة والصدقة ، والعارية والحبس تقدما ثم قال والهبة لا للثواب تمليك ذي منفعة لوجه المعطى بغير عوض ، والصدقة كذلك لوجه الله تعالى بدل المعطى . وفي كون الهبة مع كونها كذلك مع إرادة الثواب من الله تعالى صدقة أو قولا الأكثر ومطرف حسبما يذكر في الاعتصار فتخرج العارية والبيع .

( تنبيهات )

الأول : طفي قوله ولثواب الآخرة صدقة مراد المصنف الحكم على الهبة إذا أريد بها وجه الله تعالى بأنها صدقة ; لأنه مختلف فيه ، والتقدير والهبة لثواب الآخرة صدقة وهو معطوف على محذوف أي الهبة تمليك بلا عوض لوجه المعطى والهبة لثواب الآخرة صدقة وسيأتي للمصنف لا ما أريد به الآخرة ، وليس مراد المصنف التفريق بين الهبة والصدقة ولو أراده لقال والصدقة لثواب الآخرة والله أعلم .

الثاني : نص اللخمي وابن رشد على أن الهبة مندوبة ، وحكى ابن رشد عليه الإجماع [ ص: 175 ] وقد قيل لا ثواب فيها ومن لازم المندوب أنه يثاب عليه والظاهر أن المهدي إن قصد الرياء والمدح فلا ثواب له ، وإن قصد التودد للمعطى غافلا عن حديث { تهادوا تحابوا } فكذلك ، وإن استحضر ذلك فإنه يثاب قاله بعض الشيوخ ، أفاده البناني .

الثالث : الهبة أحد مصادر وهب يقال وهب له شيئا وهبا ووهبا بالتحريك وهبة والاسم الموهب والموهبة بالكسر فيهما قاله الجوهري ، ولا يقال وهبته بل وهبت له ، وحكى السيرافي عن أبي عمرو أنه سمع أعرابيا يقول انطلق معي أهبك نبلا .

الرابع : سئل ابن رشد عن حديث { داووا مرضاكم بالصدقة } ، فأجاب بأني لست أذكره في نص من المصنفات الصحيحة ولو صح فمعناه الحث على عيادة المرضى ; لأنها من المعروف ، وكل معروف صدقة فيحصل له السرور والدعاء له ولا شك في رجاء الإجابة له والشفاء فينفعه في الدواء . البرزلي حمله بعض شيوخنا على ظاهره ، وأنه إذا تصدق عنه وطلب له الدعاء من المتصدق عليه يرجى له الشفاء والحديث أخرجه الطبراني والبيهقي ، وقال القرافي في تخريج أحاديث الإحياء حديث : الصدقة تسد سبعين بابا من السوء رواه ابن المبارك في البر من حديث أنس بسند ضعيف { إن الله ليرد بالصدقة سبعين بابا من ميتة السوء } ، والله أعلم .

الخامس فيها من وهب لرجل هبة على أن لا يبيعها ولا يهبها فلا يجوز إلا أن يكون الموهوب له سفيها أو صغيرا فيشترط ذلك ما دام كذلك فيجوز ، وإن شرط ذلك بعد رشده فلا يجوز كان الواهب والدا أو أجنبيا . أبو عمران انظر ما معنى سفيها أو صغيرا وهما لا يجوز بيعهما شرط أو لا ، فلعله أراد لا تباع في نفقة احتاج لها من وليه ، وحصل ابن رشد فيها خمسة أقوال أحدها لا تجوز الهبة إلا إذا أبطل الواهب الشرط . ثانيها أن الواهب مخير بين إبطال شرطه واسترداد هبته . ثالثها بطلان الشرط وصحة الهبة . رابعها لزوم الهبة وإعمال الشرط فتكون بيد الموهوب له كالحبس لا يبيع ولا يهب حتى يموت فتورث عنه . خامسها تكون حبسا ، فإذا مات الموهوب له رجع إلى الواهب أو [ ص: 176 ] ورثته أو أقرب الناس بالمحبس على اختلاف قول الإمام مالك رضي الله عنه

التالي السابق


الخدمات العلمية