صفحة جزء
وانتظر غائب لم تبعد غيبته ، [ ص: 64 - 65 ] ومغمى ، ومبرسم لا مطبق


( و ) إن كان للمقتول عمدا عدوانا عصبة بعضهم حاضر وبعضهم غائب ، وأراد الحاضر القصاص من القاتل ( انتظر ) بضم التاء وكسر الظاء المعجمة عاصب ( غائب ) عن بلد المقتول مساو للحاضر في الدرجة كأحد بنين أو إخوة أو أعمام عسى أن يعفوا فيسقط القصاص إذا ( لم تبعد غيبته ) بأن كان قريبا أو متوسطا بحيث يصل إليه الخبر ، فإن عفا الحاضر فلا ينتظر الغائب ، وسقط القتل ، وللغائب نصيبه من دية عمد . ومفهوم لم تبعد [ ص: 64 ] غيبته عدم انتظار بعيد الغيبة كأسير بأرض حرب وشبهه وكمفقود عجز عن خبره . الحط يعني أنه إذا كان للمقتول وليان أحدهما غائب والآخر حاضر فليس للحاضر أن يستبد بالقتل قبل أن يعلم رأي الغائب إلا أن يكون الغائب بعيد الغيبة ، فإنه لا ينتظر وظاهر المدونة أن الغائب ينتظر ، وإن بعدت غيبته ففي كتاب دياتها ، وإذا كان القتل بغير قسامة وللمقتول ولدان أحدهما حاضر والآخر غائب ، فإنما للحاضر أن يعفو فيجوز العفو على الغائب وله حصته من الدية ، وليس له أن يقتل حتى يحضر الغائب ، فحملها ابن رشد على ظاهرها كما ذكره في سماع يحيى من كتاب الديات ، وكذلك ذكر ابن عرفة عن تعليقة أبي عمران عن أبي زيد أن ظاهرها انتظاره وإن بعدت غيبته .

وقيد ابن يونس المدونة بما إذا لم تبعد غيبته ، قال قاله سحنون فيمن بعد جدا أو أيس منه كالأسير ونحوه . ابن عرفة في النوادر عن المجموعة ابن القاسم ينتظر الغائب إلا أن يكون بعيد الغيبة فلمن حضر القتل ثم ذكر كلام سحنون . ابن عرفة فحذف الصقلي قول ابن القاسم قصور ا هـ .

فعلم من كلام ابن عرفة أن ابن القاسم لم يقيد بالبعد جدا ، ويفهم منه أن كلام سحنون خلاف قول ابن القاسم ، فلذا لم يقيد المصنف الغيبة ببعدها جدا كقول سحنون ، وكما هو ظاهر كلام ابن الحاجب ، وعلم من كلام المصنف أنه لم يرتض حمل المدونة على ظاهرها ، كما قال ابن رشد . وفي الشامل وفيها انتظار الغائب وهل إن قربت غيبته وهو الأصح أو مطلقا تأويلان ، ويكتب إليه إن أمكن ، فإن أيس منه فلا ينتظر كأسير وشبهه .

( تنبيهات )

الأول : إذا قلنا ينتظر الغائب ، فإن القاتل يحبس ففيها أثر ما سبق عنها ، ويحبس القاتل حتى يقدم الغائب ، ولا يكفل ، إذ لا كفالة في النفس ولا فيما دونها من القصاص .

الثاني : ظاهر ابن عرفة والبرزلي أنه يقيد بالحديد في الحبس .

الثالث : هذا ظاهر إذا كان للقاتل مال يأكل منه أو أجري له من بيت المال ما يأكل [ ص: 65 ] منه أو التزمه أحد ، وإلا فانظر كيف يعمل فيه هل يطلق من السجن وهو الظاهر ، إذ يبعد أن يقول أحد بأنه يخلد في السجن حتى يموت جوعا .

الرابع : هذا الخلاف الذي ذكرناه في انتظار بعيد الغيبة حيث تعدد أولياء الدم وغاب بعضهم ، فإن لم يكن له إلا ولي واحد غائب أو غاب جميع الأولياء فالظاهر انتظارهم مطلقا ولو بعدت غيبتهم ، ويشهد لذلك فرع الوقار في القولة قبل هذه ، لكن مع نفقة موجودة للقاتل ، هذا الذي ظهر لي ولم أر فيها نصا مع البحث عليها في المدونة وأبي الحسن والرجراجي والنوادر والبيان وابن عبد السلام والتوضيح والشامل وكبير بهرام والمقدمات والذخيرة وغيرها ، والله أعلم . وفرع الوقار نصه إذا أقر رجل أنه قتل عمدا ولم يعرف المقتول ولم يوجد له أولياء يقومون بدمه سجنه الحاكم ولا يقتله فلعل له ولي يعفو عن دمه ا هـ .

( وانتظر ) بضم الفوقية وكسر الظاء المعجمة ولي ( مغمى ) بضم فسكون ففتح ، أي غاب عقله لشدة مرضه لقرب إفاقته ( و ) انتظر ولي ( مبرسم ) بضم الميم وفتح الموحدة والسين المهملة عقب راء ساكنة ، أي برأسه ورم يثقل الدماغ لقصر مدته ، إما بصحة منه أو موت به ( لا ) ينتظر ولي ( مطبق ) بضم فسكون ففتح ، أي متواصل جنونه .

ابن عرفة فيها إن كان أحد الوليين مجنونا مطبقا فللآخر أن يقتل ، وهذا يدل على أن الصغير لا ينتظر ، وإن كان في الأولياء مغمى عليه أو مبرسم انتظر إفاقته لأن هذا مرض . ابن رشد القياس قول من قال ينتظر ، وأفتى فيمن له بنون صغار وعصبة كبار بانتظار الصغار قائلا هم أحق بالقيام بالدم فسئل عن فتياه ، بخلاف الرواية المأثورة في ذلك فقال خفي على السائل معنى ذلك ، فظن أنه لا يسوغ للمفتي العدول عن الرواية ، وليس كذلك ، بل لا يسوغ له تقليدها إلا بعد علمه بصحتها بين أهل المذهب ، لا خلاف فيها بين أحد من أهل العلم ، وهذه الرواية مخالفة للأصول . واستدل على مخالفتها بما حاصله وجوب اعتبار حق الصغير وتأخيره لبلوغه كحق له بشاهد واحد ، وبأن له جبر [ ص: 66 ] القاتل على الدية على قول أشهب وأحد قولي ابن القاسم ورواية الأخوين . ابن عرفة لا يخفى ضعف هذا ، ولا يغتر به في زماننا ، إنما ساغ ذلك له لعلو طبقته . وقال بعض من عاصره ليس العمل على هذا ، إذ هو خلاف قول ابن القاسم . وفي طرة بعض نوازله ما نصه ليس العمل على هذا ، إذ هو خلاف قول ابن القاسم . وقال ابن الحاج إنه أفتى بذلك من غير رواية ولا حجة .

فإن قلت ما هي الرواية المأثورة في ذلك . قلت في الموازية والمجموعة روى ابن وهب وأشهب في قتيل له بنون صغار وعصبة فللعصبة القتل ، ولا ينتظر بلوغ الصغار ، قال عنه ابن وهب ولهم العفو على الدية وتكون بينهم ، قال عنه أشهب ينظر للصغار وليهم في القود والعفو على مال ، وله أن يقسم إن وجد معه من العصبة من يقسم معه ، وإن لم يكن في قربه ثم يكون لهذا الذي هو أولى بالصبي القتل أو العفو على الدية ، وانظر عزوه للموازية والمجموعة . وقد قال في كتاب الديات من المدونة وإن كان للمقتول عمدا ولد صغير وعصبة فللعصبة أن يقتلوا أو يأخذوا الدية ويعفوا ، ويجوز ذلك على الصغير ، وفيها أيضا إذا كان للمقتول أولاد صغار والقتل بقسامة فلأولياء المقتول تعجيل القتل ، ولا ينتظر أن يكبر ولده فيبطل الدم ، وإن عفوا فلا يجوز عفوهم إلا على الدية لا على أقل منها .

وإن كان أولاد المقتول صغارا وكبارا ، فإن كان الكبار اثنين فصاعدا فلهم أن يقسموا ويقتلوا ولا ينتظر بلوغ الصغار ، وإن عفا بعضهم فللباقي والأصاغر حظهم من الدية ، وإن لم يكن إلا ولد كبير وصغير فإن وجد الكبير رجلا من ولاة الدم حلف معه ، وإن لم يكن ممن له العفو خمسين يمينا ثم للكبير أن يقتل ، وإن لم يجد من يحلف معه حلف خمسا وعشرين يمينا واستؤني الصغير ، فإذا بلغ حلف أيضا خمسا وعشرين يمينا ثم استحق الدم ، وإن كان القتل بغير قسامة وللمقتول ولدان أحدهما حاضر والآخر غائب ، فإنما للحاضر أن يعفو ، ويجوز على الغائب ، ويكون له حصته من الدية ، وليس له أن يقتل [ ص: 67 ] حتى يحضر الغائب ويحبس القاتل حتى يقدم الغائب ولا يكفل ، إذ لا كفالة في النفس ولا فيما دونها من القصاص .

وإن كان للمقتول أولياء صغار وكبار فللكبار أن يقتلوا ولا ينتظروا الصغار ، وليس الصغير كالغائب : الغائب يكتب له فيصنع في نصيبه ما يحب ، والصغير يطول انتظاره فيبطل الدم ، وإن كان أحد الوليين مجنونا مطبقا فللآخر أن يقتل ، وهذا يدل على أن الصغير لا ينتظر ، وإن كان في الأولياء مغمى عليه أو مبرسم فإنه ينتظر إفاقته لأن هذا مرض من الأمراض ا هـ . وفيها أيضا ما هو أصرح في المسألة ، وإذا كان للمقتول عمدا ولد صغير وعصبة فللعصبة أن يقتلوا أو يأخذوا الدية ويعفو أو يجوز ذلك على الصغير ، وليس لهم أن يعفوا على غير مال ا هـ . أبو الحسن قوله يبطل الدم ، أي إما بموت القاتل حتف أنفه أو هروبه من السجن ا هـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية