صفحة جزء
[ ص: 296 ] وإن تعمد إمام ، أو غيره يسراه أولا ; فالقود ، والحد باق ، وخطأ أجزأ ، [ ص: 297 ] فرجله اليمنى ، بسرقة طفل من حرز مثله أو ربع دينار ; أو ثلاثة دراهم خالصة ; [ ص: 298 ] أو ما يساويها بالبلد [ ص: 299 ] شرعا ، [ ص: 300 ] وإن كماء أو ريح لتعليمه ، أو جلده بعد ذبحه ، [ ص: 301 ] أو جلد ميتة ، إن زاد دبغه نصابا ، أو ظنا فلوسا ، أو الثوب فارغا ، [ ص: 302 ] أو شركة صبي ، لا أب .


( وإن تعمد ) بفتحات مثقلا ( إمام أو غيره ) كجلاد أن يقطع ( يسراه ) أي السارق ( أولا ) بشد الواو منونا ، أي في السرقة الأولى عالما أن الواجب قطع يمناه ( فالقود ) بفتح القاف والواو ، أي القصاص حق للسارق على من تعمد قطع يسراه أولا ( والحد ) أي قطع يد السارق اليمنى ( باق ) عليه فلا يسقط عنه بقطع يسراه عمدا ( و ) إن قطع الإمام أو غيره اليسرى أولا ( خطأ أجزأ ) قطعها عن قطع اليمنى . ابن مرزوق لم أر التصريح بهذا إلا في كلام ابن شاس وابن الحاجب تبعا لوجيز الغزالي ، وليس في نقول المذهب تصريح به ، والذي يتجه الإجزاء في العمد كالخطأ أفاده شب وطفي والبناني والعدوي .

قلت سلم ابن عرفة كلام ابن شاس وجعله مفهوم المدونة وغيرها ، ونصه قول ابن الحاجب تابعا لابن شاس ولو قطع الجلاد أو الإمام اليسرى عمدا فله القصاص والحد باق هو دليل قولها مع غيرها أن أمر الإمام بقطع يد السارقة اليمنى فقطع يساره خطأ أجزأه ، ولا شيء على القاطع . اللخمي وقال ابن الماجشون لا يجزيه وتقطع يمينه وعقل شماله في مال السلطان إن كان المخطئ ، وفي مال القاطع إن كان المخطئ ، وإليه رجع الإمام مالك " رضي الله عنه " . قلت وكذا نقله الشيخ عنه وهو بين قصور قول ابن حارث اتفقوا في السارق يخطأ به بقطع يسراه أن القطع ماض ولا تقطع يمينه ، ثم قال ابن عرفة قال الإمام مالك " رضي الله عنه " إن ذهبت اليمنى بعد السرقة بأمر من الله تعالى أو تعمد أجنبي فلا يقطع منه شيء لأن القطع كان وجب فيها وقياس أن الشمال تجزيه أن تقطع شماله . قلت لا يلزم من كونها محلا للقطع أولا بعد وقوعه كونها كذلك قبله ، وفي الموازية لو دلس السارق [ ص: 297 ] باليسرى حتى قطعت أجزأه وعلى ما عند ابن حبيب لا يجزيه .

( ف ) إن سرق ثانية من قطعت يده اليسرى خطأ فتقطع ( رجله اليمنى ) ليكون قطعه من خلاف قاله ابن القاسم ، وقال ابن نافع تقطع رجله اليسرى . ابن الحاجب وعلى الأجزاء لو عاد قطعت رجله اليمنى عند ابن القاسم . قلت هذا خلاف قول اللخمي لو كان قطع اليد اليسرى خطأ فلا تترك الرجل اليسرى على العمد ، ونقله ابن عرفة ، وسلمه كما تقدم والله أعلم .

وصلة تقطع اليمنى ( ب ) سبب ( سرقة طفل ) بكسر المهملة وسكون الفاء أي شخص صغير ذكرا أو أنثى لا يعرف ما يراد به ( من حرز ) بكسر الحاء المهملة وسكون الراء ، أي من محل حفظ ( مثله ) بكسر فسكون أي نظير الطفل المسروق كدار أهله وحارتهم وقريتهم ، فإن كان لا يخرج من دار أهله فهي حرزه ، وإن كان يخرج من الدار إلى الحارة ولا يتعداها فهي حرزه ، وإن كان يخرج من الحارة ولا يتعدى القرية فالقرية حرزه . فيها من سرق صبيا حرا أو عبدا من حرزه قطع وإن سرق عبدا كبيرا فصيحا فلا يقطع ، وإن كان أعجميا قطع . ابن عرفة فيها من سرق صبيا حرا أو عبدا من حرزه قطع الشيخ عن محمد وقاله الإمام مالك وأصحابه رضي الله تعالى عنهم .

أشهب إن كان الصبي يعقل والعبد فصيح فلا يقطع فيهما . وقال ابن الماجشون لا يقطع من سرق حرا . أبو عمر ويقول مالك قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والحسن والشعبي والزهري رضي الله تعالى عنهم . ابن الحاجب والفقهاء السبعة رضي الله تعالى عنهم واختار اللخمي قول ابن الماجشون إلا أن يكون ذلك يخشى منه سرقة أولادهم .

( أو ) بسرقة ( ربع دينار ) شرعي وهو موازن ثماني عشرة شعيرة متوسطة لا أقل منه ( أو ) بسرقة ( ثلاثة دراهم ) شرعية وهي موازن مائة وإحدى وخمسين شعيرة [ ص: 298 ] متوسطة وخمسا شعيرة كذلك لا أقل ، حال كون ربع الدينار والدراهم الثلاثة ( خالصة ) من غشها بنحو نحاس ، ولو كانت دنية المعدن ولا يشترط مساواة ربع الدينار للدراهم الثلاثة في القيمة ولا عكسه فلا يقطع في غير الخالص ولو راج رواج الخالص . ابن عرفة النصاب من الذهب ربع دينار . ابن حارث وغيره اتفاقا ، وفي كونه من الفضة ثلاثة دراهم أو ما يساوي ربع دينار قولان لابن حارث عن أصحاب الإمام مالك رضي الله تعالى عنهم غير ابن عبد الحكم ، وله شب إن كان المسروق من الذهب أقل من ربع دينار ومن الفضة أقل من ثلاثة دراهم ، فإن كان التعامل بهما وزنا نظر للنقص في كل ، فإن كان مما تختلف فيه الموازين فهو بمنزلة الكامل ، وإن كان مما لا تختلف فيه الموازين فلا يقطع به ، وإن كان التعامل بالدراهم عددا ، فإن لم ترج رواج الكاملة فلا يقطع بها مطلقا ، وإن راجت رواج الكاملة فإن كان نقصها تختلف فيه الموازين فيقطع بها وإلا فلا .

( أو ) بسرقة ( ما ) أي عرض ( يساويها ) أي العرض الدراهم الثلاثة الخالصة باعتبار منفعته الشرعية وتعتبر القيمة ( بالبلد ) المسروق فيه ، سواء كان تعامل أهله بالدراهم أو الدنانير أو بالعروض أو بما غلب أحدها أولا ولا عبرة بمنفعة شرعية كآلة لهو . ابن عرفة ومن غيرهما أي الذهب والفضة المعتبر قيمته . ابن رشد لا يقوم إلا بالدراهم كان البلد تجري فيه الدنانير والدراهم ، ولا يجري فيه أحدهما ، وإنما التعامل فيه بالعروض ، هذا مذهب الإمام مالك " رضي الله عنه " وهو ظاهر المدونة ونص الموازية ، وقال الأبهري وعبد الوهاب بأغلبهما بالبلد وقول عبد الحق من بعض شيوخ صقلية إن كانت السرقة ببلد إنما يتعامل فيه بالعروض يقوم في أقرب البلاد إليه التي يتعامل فيها بالدراهم خطأ صراح ، إذ قد تكون ببلد السرقة كاسدة لا قيمة لها به ، وفي بلد الدراهم قيمتها كثيرة فيؤدي إلى قطع اليد في أقل من نصاب .

الباجي عن محمد ما اعتبر به النصاب من ذهب أو فضة إنما ينظر إلى وزنه كان دينارا [ ص: 299 ] جيدا أو رديئا أو نقرة أو تبرا . عيسى عن ابن القاسم وإن لم يجز بجواز العين عيسى أو حليا ولا ينظر إلى قيمته ، يريد إلى ما يزيد فيها بصياغته . ابن رشد إن كان مغشوشا بالنحاس فلا يقطع في النصاب منهما إلا أن يكون النحاس الذي فيهما يسيرا جدا لا قدر له . الباجي إن كانت الدراهم تجوز عددا ، فإن نقص كل درهم خروبة أو ثلاث حبات وهي تجوز فلا قطع فيها حتى تكون تامة الوزن . محمد عن أصبغ فأما مثل حبتين من كل درهم فإنه يقطع ، وحكاه اللخمي وقال درء الحد أحسن . ابن رشد معنى قول أصبغ إن جازت بجواز الوازنة لأن الحبتين لا يمكن أن تختلف بهما الموازين فإن قل النقص وجازت بجواز الوازنة قطع بلا إشكال وإن كثر ولم تجز بجواز الوازنة فلا يقطع بلا إشكال وإن كثر النقص وجازت بجواز الوازنة أو قل ، ولم تجز بجواز الوازنة فالصواب عدم القطع ، ثم قال ابن عرفة والمعتبر في المقوم منفعته المباحة .

الشيخ في الموازية من سرق حماما عرف بالسبق أو طيرا عرفت بالإجابة إذا دعي فأحب إلى أن لا يرعى إلا قيمته على أنه ليس فيه ذلك لأنه من اللعب والباطل . اللخمي إن كان القصد من الحمام ليأتي بالأخبار لا اللعب قوم على ما علم منه من الموضع الذي تبلغه وتبلغ المكاتبة إليه ، ومثله للتونسي ، وهو دليل تعليل محمد ، ثم قال والأظهر في الطيور المتخذة لسماع أصواتها لغو حسن أصواتها في تقويمها ؟ .

وفي الجلاب وغيره المعتبر قيمتها يوم السرقة لا يوم الحد ، وفيها يقوم السرقة أهل العدل والبصر ، قيل فإن اختلف المقومون قال إن اجتمع عدلان بصيران أن قيمتها ثلاثة دراهم قطع ولا يقطع بقيمة رجل واحد ، ومثل في سماع عيسى . ابن رشد معناه في الاختيار لا أنه لا يجوز إلا ذلك ، لأن كل ما يبتدئ فيه القاضي بالسؤال فالواحد يجزي فيه لأنه خبر لا شهادة ، وفي مختصر الوقار للإمام مالك " رضي الله عنه " إن قوم بثلاثة وقوم بدونها فلا يقطع فيه . اللخمي وهو أبين ولم يحكه ابن رشد ، والمعتبر في التقويم المنفعة المباحة ( شرعا ) فلا يقطع في آلة لهو قيمتها ثلاثة دراهم لصنعتها إلا أن يساوي [ ص: 300 ] خشبها بعد كسره ثلاثة دراهم وقد سأل المعري بفتح الميم والعين المهملة وكسر الراء المشددة منسوب لمعرة النعمان مدينة ، وهو أحمد بن سليمان شاعر الدولة العباسية فقال :

تناقض ما لنا إلا السكوت له فنستعيذ ببارينا من النار     يد بخمس مئين عسجد وديت
ما بالها قطعت في ربع دينار

وأجابه القاضي عبد الوهاب البغدادي بجواب بديع فقال :

وقاية النفس أغلاها وأرخصها     صيانة المال فافهم حكمة الباري

وروي عنه بيت آخر وهو :

عز الأمانة أغلاها وأرخصها     ذل الخيانة فافهم حكمة الباري

إن لم يكن المسروق مباحا في الأصل كشاة وثوب ، بل ( وإن ) كان مباحا في الأصل ( كماء ) منقول لحرز من بحر وحطب من غابة وملح من معدن وكلا من موات . ابن عرفة الشيخ عن الموازية يقطع في البقل إن لم يكن قائما وحصد وأحرز ويقطع في كل شيء حتى الماء إذا أحرز للوضوء أو شرب أو غيرهما وحتى الحطب والعلف والتبن ، والورد والياسمين والرمل والرماد إذا ساوى ثلاثة دراهم وسرق من حرز ونقله الباجي وغيره .

( و ) حيوان غير كلب ( جارح ) لصيد قيمته ثلاثة دراهم ( لتعليمه ) اصطياد الوحشي اللخمي إن كان بازيا أو طيرا معلما ففي الموازية يقوم على ما هو عليه من التعليم لأنه ليس من الباطل ، وقال أشهب يقوم على أنه غير معلم والأول أحسن إلا أن يكون في قوم يتخذونه للهو ( أو ) يساويها ل ( جلده ) الذي ينتفع به ( بعد ذبحه ) فيها من سرق الطير بازيا أو غيره قطع ، وأما سباع الوحش التي لا تؤكل ، لحومها إذا سرقت فإن كان في قيمة جلودها إذا ذكيت دون أن تدبغ ثلاثة دراهم قطع لأن لربها بيع ما ذكي منها . شب إذا كان كل واحد من الطير والسبع لا يساوي نصابا إلا بتعليمه فإنه يقطع سارقه ، فإن كان كل منهما ليس معلما فإنه يقطع سارق الطيران كانت قيمة لحمه فقط ، أو هو مع أو ريشه فقط نصابا ولا يقطع سارق السبع إلا إذا كانت قيمة جلده بعد ذبحه نصابا ولا يراعى قيمة لحمه وإن كان غير محرم . [ ص: 301 ]

( أو ) بسرقة ( جلد ميتة ) بعد دبغه ( إن زاد دبغه ) في قيمته ( نصابا ) ثلاثة دراهم بأن كانت قيمته قبل دبغه درهمين وصارت بعده خمسة وفهم منه أنه لا يقطع سارقه قبل دبغه ، ولو كانت قيمته نصابا وهو كذلك لأن منفعته حينئذ غير شرعية أفاده شب والخرشي وعب . البناني ما ذكره في كيفية تقويمه نسبه المصنف وابن عرفة لأبي عمران وهو خلاف ظاهر قول ابن الحاجب المشهور إن كانت قيمة الصنعة نصابا قطع ضيح هذا ظاهر المدونة ، وعليه حملها في البيان . ابن عرفة الباجي لا قطع في جلد ميتة لم يدبغ ، وأما المدبوغ فإن كانت قيمة ما فيه من الصنعة ثلاثة دراهم قطع ، هذا قول المدونة ، وفي تعليقة أبي عمران في قيمة الدبغ يقال ما قيمته أن لو جاز بيعه للانتفاع به ، وما قيمته مدبوغا فما زاد فهو قيمة الدبغ وظاهر لفظ المدونة أن يقال ما قيمة دبغه . في التوضيح أبو عمران ينظر إلى قيمته يوم دبغ ولا ينظر إلى ما ذهب بمرور الأيام لأن الدباغ هو الذي أجاز للناس الانتفاع به واختار اللخمي النظر إلى قيمته يوم سرق وهو أظهر .

( أو ) بسرقة ربع دينار أو ثلاثة دراهم ( ظنا ) بضم الظاء المعجمة وشد النون أي ظنهما السارق حين أخذهما من الحرز ( فلوسا ) نحاسا لا تساوي ثلاثة دراهم ثم تبين أنه ربع دينار أو ثلاثة دراهم فيقطع ولا يعذر بظنه ( أو ) ظن ( الثوب ) المخرج من حرزه الذي لا يساوي ثلاثة دراهم ( فارغا ) من الدنانير والدراهم ثم تبين أن فيه نصابا ذهبا أو فضة أو عرضا يساوي ثلاثة دراهم فيقطع عملا بما تبين . ابن عرفة فيهما من سرق ثوبا يساوي ثلاثة دراهم ، وفيه دنانير أو دراهم مصرورة ولم يعلم أنهما فيه . قال الإمام مالك " رضي الله عنه " أما الثوب وشبهه مما يعلم الناس أن ذلك يرفع في مثله فإنه يقطع ، وإن سرق شيئا لا يرفع ذلك فيه كحجر وخشبة وعصا فلا يقطع إلا في قيمة ذلك دون ما فيه من ذهب أو فضة . اللخمي يريد بقوله في الثوب مما يعلم أن ذلك يرفع [ ص: 302 ] في مثله يريد به مثل المصر وشبهه ولو كان قميصا خلقا . وقال لم أعلم بما فيه لحلف ولا يقطع آخذه ليلا أو نهارا ، ويصدق في العصا إن أخذها ليلا لا نهارا لأنها لا تخفى إلا أن يكون أخذها من مكان مظلم ولو كان الذهب قد نقر له في خشبة صدق آخذها ليلا أو نهارا . الصقلي بعض فقهائنا من سرق خرقة لا يصر ذلك فيها لدناءتها فلا يقطع بما فيها إذا لم يعلم به . ابن حبيب عن أصبغ من سرق ليلا عصا مفضضة وفضتها ظاهرة ، وقال لم أر الفضة فأرى أنه إن حلف أنه لم يرها فلا يقطع .

أو سرق نصابا ب ( شركة صبي ) أو مجنون له في إخراجه من حرزه أو سبع أو ذئب فيقطع المكلف وحده وليست شركة غير المكلف عذرا يدرأ الحد عنه ، ولو كان غير المكلف صاحب النصاب المسروق أو أباه ( لا ) يقطع المكلف إن أخرج النصاب من حرزه بشركة ( أب ) عاقل أو أم كذلك لصاحب المسروق لدخوله مع من له شبهة قوية في المسروق . فيها إن سرق رجل مع صبي أو مجنون ما قيمته ثلاثة دراهم قطع ، وإن سرق مع أبي الولد من ماله ما قيمته ثلاثة دراهم فلا يقطع واحد منهما ابن عرفة لأن الصبي والمجنون كالعدم فشرط السرقة موجود وهو الخفية والأب لكونه كابنه يمنع الخفية .

التالي السابق


الخدمات العلمية