صفحة جزء
خطبة لأبي طالب

الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم ، وزرع إسماعيل ؛ وجعل لنا بلدا حراما ، وبيتا محجوجا ؛ وجعلنا الحكام على الناس .

وإن محمد بن عبد الله ، ابن أخي ، لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح به : بركة وفضلا وعدلا ، ومجدا ونبلا ، وإن كان في المال مقلا ؛ فإن المال عارية مسترجعة ، وظل زائل ، وله في خديجة بنت خويلد رغبة ، ولها فيه مثل ذلك ، وما أردتم من الصداق فعلي .

* * *

قد نسخت لك جملا من كلام الصدر الأول ومحاوراتهم وخطبهم ، [ ص: 154 ] وأحيلك فيما لم أنسخ على التواريخ والكتب المصنفة في هذا الشأن . فتأمل ذلك ، وسائر ما هو مسطر من الأخبار المأثورة عن السلف ، وأهل البيان واللسن ، والفصاحة والفطن ؛ والألفاظ المنثورة ، والمخاطبات الدائرة بينهم ، والأمثال المنقولة عنهم . ثم انظر - بسكون طائر ، وخفض جناح ، وتفريغ لب ، وجمع عقل - في ذلك ؛ فسيقع لك الفصل بين كلام الناس ، وبين كلام رب العالمين ، وتعلم أن نظم القرآن يخالف نظم كلام الآدميين ، وتعلم الحد الذي يتفاوت بين كلام البليغ والبليغ ، والخطيب والخطيب ، والشاعر والشاعر ، وبين نظم القرآن جملة .

فإن خيل إليك ، أو شبه عليك ، وظننت أنه يحتاج أن يوازن بين نظم الشعر ، والقرآن ؛ لأن الشعر أفصح من الخطب ، وأبرع من الرسائل ، وأدق مسلكا من جميع أصناف المحاورات - ولذلك قالوا له - صلى الله عليه وسلم - : هو شاعر أو ساحر - وسول إليك الشيطان أن الشعر أبلغ وأعجب ، وأرق وأبرع ، وأحسن الكلام وأبدع - فهذا فصل فيه نظر بين المتكلمين ، وكلام بين المحققين .

التالي السابق


الخدمات العلمية