صفحة جزء
[ ص: 25 ] باب

ذكر القول في حروف التهجي ، وترتيب رسمها في الكتابة

حدثنا عبد الرحمن بن عثمان ، قال : نا قاسم بن أصبغ ، قال : نا أحمد بن زهير ، قال : نا الفضل بن دكين ، قال : نا إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر ، عن سمرة بن جندب قال : نظرت في كتاب العربية ، فوجدتها قد مرت بالأنبار قبل أن تمر بالحيرة .

حدثنا ابن عفان ، قال : نا قاسم ، قال : نا أحمد ، قال : نا الزبير بن بكار ، قال : حدثني إبراهيم بن المنذر ، قال : حدثني عبد العزيز بن عمران ، قال : حدثني إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيب ، عن داود بن حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أول من نطق بالعربية ، فوضع الكتاب على لفظه ومنطقه ، ثم جعله كتابا واحدا مثل ( بسمالله ) الموصول ، حتى فرق بينه ولده : إسماعيل بن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - .

أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن فراس المكي ، قال : نا عبد الرحمن بن عبد الله [ ص: 26 ] ابن محمد ، قال : حدثني جدي ، قال : نا سفيان بن عيينة ، عن مجالد ، عن الشعبي ، قال : سألنا المهاجرين : من أين تعلمتم الكتاب ؟ قالوا : من أهل الحيرة . وقالوا لأهل الحيرة : من أين تعلمتم الكتاب ؟ قالوا : من أهل الأنبار .

قال أبو عمرو : وفي كتاب محمد بن سحنون : حدثنا أبو الحجاج - واسمه سكن بن ثابت - قال : نا عبد الله بن فروخ ، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم المعافري ، عن أبيه زياد بن أنعم قال : قلت لعبد الله بن عباس : معاشر قريش ، هل كنتم تكتبون في الجاهلية بهذا الكتاب العربي ، تجمعون فيه ما اجتمع ، وتفرقون فيه ما افترق هجاء بالألف واللام والميم ، والشكل والقطع ، وما يكتب به اليوم ، قبل أن يبعث الله تعالى النبي - صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قلت : فمن علمكم الكتاب ؟ قال : حرب بن أمية . قلت : فمن علم حرب بن أمية ؟ قال : عبد الله بن جدعان . قلت : فمن علم عبد الله بن جدعان ؟ قال : أهل الأنبار . قلت : فمن علم أهل الأنبار ؟ قال : طارئ طرأ عليهم من أرض اليمن ، من كندة . قلت : فمن علم الطارئ ؟ قال : الجلجان بن الموهم ، كان كاتب هود نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بالوحي عن الله - عز وجل - .

[ ص: 27 ] حدثنا ابن عفان ، قال : نا قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن أبي خيثمة ، قال : حروف ألف ب ت ث تسعة وعشرون حرفا ، عليها يدور الكلام كله ، والكتاب العربي .

حدثنا إبراهيم بن الخطاب اللمائي ، قال : نا أحمد بن خالد ، قال : نا سلمة بن الفضل ، قال : نا عبد الله بن ناجية ، قال : نا أحمد بن موسى بن إسماعيل الأنباري ، قال : نا محمد بن حاتم المؤدب ، قال : نا أحمد بن غسان ، قال : نا حامد المدائني ، قال : نا عبد الله بن سعيد ، قال : بلغنا أنه لما عرضت حروف المعجم على الرحمن - تبارك اسمه ، وتعالى جده - ، وهي تسعة وعشرون حرفا ؛ تواضع الألف من بينها ، فشكر الله له تواضعه ، فجعله قائما أمام كل اسم من أسمائه .

قال أبو عمرو : وقال بعض أهل اللغة : إنما تقدمت الألف سائر الحروف لأجل أنها صورة للهمزة المتقدمة في الكلام ، وللألف اللينة ، ولسائر الهمزات أحيانا ، فلما انفردت بأن تكون صورة الهمزة المتقدمة في الكلام ، وشاركت [ ص: 28 ] الواو والياء في أن تكون مرة صورة لنفسها ، ومرة صورة للهمزة المتوسطة والمتأخرة ؛ قدمت .

قال : وإنما وليها الباء والتاء والثاء ؛ لأنها أكثر الحروف شبها ، إذ كانت الياء والنون إذا وقعتا في أول كلمة أو وسطها أشبهتاها ، فصارت خمسة مشتبهة ، فأوجبت كثرتها تقديمها . ثم الجيم والحاء والخاء . ثم المزدوجة . وإن تقدم بعض المتشابهات والمزدوجات وما بعد ذلك إلى آخر الحروف على بعض ، على قدر الكثرة في الكلام والقلة ؛ فكل ما كان من ذلك مقدما على غيره في الترتيب ؛ فهو في الكلام أكثر دورانا ، إلا ما له من ذلك صورتان مختلفتان في التطرف والتقدم والتوسط ، وذلك النون والياء ، فإنهما - وإن تأخرتا - كالمتقدمتين ؛ لتقدم أشباههما .

قال : ومن الحروف ما لا يتصل به شيء بعده ، وهي ستة : الألف ، والدال ، والذال ، والراء ، والزاي ، والواو . ويمكن أن تكون كذلك لئلا تلتبس بغيرها ؛ إذ لو اتصل بالألف شيء بعدها لأشبهت اللام ، ولو اتصل بالواو شيء لأشبهت الفاء والقاف ، ولو اتصل بالدال والذال والراء والزاي شيء لأشبهت الياء والتاء وما أشبهها .

قال أبو عمرو : والذي قاله في ترتيب رسم الحروف ترتيب حسن . وأنا أزيد في شرحه وبيانه ما لم أجده لسالف ، ولا رأيته لمتقدم ، فأقول :

إنما تقدمت الألف ، وإن كانت منفردة ، للمذكور في الخبر والنظر من استحقاقها ذلك ، ولتقدمها أيضا في أول الفاتحة التي هي أم القرآن ، ولكثرة دورها في الكلام وترددها في المنطق ، إذ هي أكثر الحروف دورا وترددا .

[ ص: 29 ] ثم وليتها الباء والتاء والثاء ؛ لكثرتهن ، إذ هن ثلاث ، وكونهن على صورة واحدة . وما كثر عدده ، واتفقت صورته ؛ فالعادة جارية على تقديمه . وتقدمت الباء لتقدمها في التسمية التي يستفتح بها مع التعوذ الذي أوله الألف المتقدمة ، ولتقدمها في حروف ( أبي جاد ) التي هي أصل حروف التهجي . ولأنها أيضا تنقط واحدة ، والتاء اثنتين ، والثاء ثلاثا ، على ترتيب العدد . فوجب أن تكون الباء أولا ، ثم التاء ، ثم الثاء لذلك . وقد يكون تقدم التاء لكثرتها ، وتأخير الثاء لقلتها ، إذ الكثير أولى بالتقديم من القليل الدور .

ثم وليتهن الجيم والحاء والخاء ؛ لكثرتهن أيضا ، واتفاق صورتهن ، إذ هن ثلاث على صورة واحدة ، واتصال الجيم بالباء في كلمة ( أبي جاد ) . وتقدمت الجيم الحاء ؛ لتقدمها عليها في ذلك . وتقدمت الحاء الخاء ؛ لتقدمها عليها في المخرج من الحلق ، إذ هي من وسطه ، والخاء من أدناه إلى الفم ، فلذلك جاءت آخرا .

ثم وليتهن الدال والذال ، وهما على صورة واحدة ؛ لاشتباه صورتهما بصورتهن . وتقدمت الدال لتقدمها في حروف ( أبي جاد ) ، ولأنها أقرب إلى الجيم من الذال .

ثم وليتهما الراء والزاي ، وهما على صورة واحدة ؛ لقرب صورتهما من صورتهما . وتقدمت الراء ، وإن كانت الزاي متقدمة على الراء في حروف ( أبي جاد ) ، موافقة للحاء والخاء ، والدال والذال ، من جهة الإعجام . إذ كانت الحاء [ ص: 30 ] المتقدمة على الخاء ، والدال المتقدمة على الذال غير منقوطتين ؛ فكذلك الراء المتقدمة على الزاي مثلهما سواء ؛ ليأتي المزدوج كله على طريقة واحدة ، ولا يختلف .

إلى هاهنا اتفق ترتيب الجميع ، من السلف وتابعيهم ، من أهل المشرق وأهل المغرب . واختلفوا في ترتيب ما بعد ذلك من المزدوج والمنفرد إلى آخر الحروف .

فرسم أهل المشرق بعد الراء والزاي ، السين والشين ، وهما على صورة واحدة ؛ لمؤاخاة السين الزاي في الصفير الذي هو زيادة الصوت . وتقدمت السين الشين ، كما تقدم غير المعجم من المشتبهين في الصورة المعجم ؛ لأن الاشتباه وقع بالثاني من المزدوج ، لا بالأول ؛ لأن الأول جاء على أصله من التعرية . ففرق بينهما بأن نقط الثاني . لأن النقط إنما استعمل ليفرق به بين المشتبه من الحروف في الصورة لا غير . ولولا ذلك لم يحتج إليه ، ولا استعمل . فهو فرع ، والتعرية أصل . والأصل يقدم على الفرع ، فلذلك تقدم غير المنقوط من المزدوج .

ثم الصاد والضاد ، وهما على صورة واحدة ؛ لمشاركة الصاد السين في الصفير والهمس جميعا . وتقدمت الصاد الضاد ، كما تقدمت السين الشين . ولم يرسموهما قبل السين والشين ، وإن كانتا متقدمتين عليهما في حروف ( أبي جاد ) ؛ لمؤاخاة السين الزاي في الصوت ، ومشاركة الشين الجيم في المخرج ، فقدما لذلك عليهما .

ثم الطاء والظاء ، وهما على صورة واحدة ؛ لمشاركتهما الصاد والضاد في الإطباق والاستعلاء ، فولياهما لذلك . وتقدمت الطاء الظاء ، كما تقدمت الصاد [ ص: 31 ] الضاد ، ولتقدمها أيضا في حروف ( أبي جاد ) ، ومؤاخاتها الدال في المخرج .

ثم العين والغين ، وهما على صورة واحدة ؛ لكونهما آخر ما بقي من المزدوج ، فلذلك رسما آخرا . وتقدمت العين الغين ، كما تقدمت الحاء الخاء ، من طريق المخرج ، وجهة الإعجام .

ثم رسموا المنفرد ، فرسموا بعد العين والغين الفاء والقاف ، وقدما لاتفاق صورتهما في غير الأطراف من الكلم ، فأشبها المزدوج بذلك ، فقدما على سائر المنفرد ؛ إذ الفاء متصلة بالعين ، ومرسومة بعدها في حروف ( أبي جاد ) . وتقدمت الفاء القاف ؛ لتقدمها عليها في حروف ( أبي جاد ) ، ولتعاقبها مع الثاء المتقدمة في حروف التهجي ، في نحو جدث وجدف ، وثوم وفوم .

ثم الكاف ، ثم اللام ، ثم الميم ، ثم النون ، موافقة لترتيب رسمهن في كلمة ( كلمن ) . وتقدمت الكاف لتقدمها في ذلك ، ولاشتراكها مع القاف التي وليتها في مخرج أقصى اللسان . وتقدمت اللام الميم والنون لاشتباه صورتها بصورة الألف المتقدمة في حروف التهجي . وتقدمت الميم النون لقوتها ، ولزوم صوتها ، إذ كان غير زائل عنها ، من حيث امتنع إدغامها في مقاربها ، وكان صوت النون قد يزول عنها بالإدغام ، ويذهب لفظها من الفم أيضا ، فلا يبقى منها إلا غنة من الخيشوم ، ولأن الميم من مخرج الباء المتقدمة في حروف ( أبي جاد ) ، ولأنها تبدل من النون إذا لقيت باء .

[ ص: 32 ] ثم الواو ، ثم الهاء ، ثم الياء ، وهن آخر ما بقي من المنفرد . وتقدمت الواو لقرب صورتها من صورة القاف الموافقة للفاء في الصورة . وتقدمت الهاء الياء لتقدمها عليها في حروف ( أبي جاد ) . وصارت الياء آخر الحروف للتعريف بصورتها إذا وقعت آخر الكلمة ، إذ صورتها هناك مخالفة لصورتها إذا وقعت أولا ووسطا . وكذلك أخروا اللام ألف ، ورسمت قبلها لاختلاف صورتها في الانفراد والاختلاط .

ورسم أهل المغرب بعد الراء والزاي الطاء والظاء ؛ لكون الطاء من مخرج الدال ، وكون الظاء من مخرج الذال . وتقدمت الطاء الظاء ، كما تقدمت الدال الذال .

ثم الكاف ، واللام ، والميم ، والنون ؛ موافقة لرسمهن في ( كلمن ) ، ولتقدمهن على سائر المزدوج في حروف ( أبي جاد ) ، ولإتيانهن بعد الطاء في ذلك أيضا .

ثم الصاد والضاد لكونهما مرسومين بعد كلمة ( كلمن ) في قولهم : ( صعفض ) . وتقدمت الصاد لتقدمها في ذلك ، ولكون غير المنقوط من المزدوج مقدما على المنقوط ؛ ليتميز بذلك الثاني من الأول ، والمؤخر من المقدم .

ثم العين والغين ؛ لكون العين بعد الصاد في حروف ( أبي جاد ) ، وشبه الغين بها في الصورة . وتقدمت العين لتقدمها هناك ، وفي المخرج من الحلق ؛ لأنها من وسطه ، والغين من أدناه إلى الفم ، ولخلوها أيضا من النقط .

[ ص: 33 ] ثم الفاء والقاف ؛ لكون الفاء في حروف ( أبي جاد ) بعد العين ، وشبه القاف بها في الصورة . وتقدمت الفاء لتقدمها هناك .

ثم السين والشين ؛ لكونهما آخر المزدوج . وتقدمت السين الشين ، كما تقدمت الصاد الضاد .

ثم الهاء والواو والياء ، وهن آخر حروف التهجي . وتقدمت الهاء الواو لتقدمها عليها في حروف ( أبي جاد ) ، في قولهم : ( هوز ) . وتقدمت الواو الياء لتقدم ( هوز ) على ( حطي ) .

قال أبو عمرو : فهذه علل ترتيب الحروف في الكتاب ، على الاتفاق والاختلاف ، والله ولي التوفيق .

حدثنا إبراهيم بن خطاب ، قال : نا أحمد بن خالد ، قال : نا سلمة بن الفضل ، قال : نا عبد الله بن ناجية ، قال : نا أحمد بن بديل الأيامي ، قال : نا عمرو بن حميد قاضي الدينور ، قال : نا فرات بن السائب ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس قال : إن لكل شيء تفسيرا ، علمه من علمه ، وجهله من جهله . ثم فسر ( أبو جاد ) : أبى آدم الطاعة ، وجد في أكل الشجرة . و ( هواز ) : زل فهوى من السماء إلى الأرض . و ( حطي ) : حطت عنه خطاياه . ( كلمن ) : أكل من الشجرة ، ومن عليه بالتوبة . ( صعفض ) : عصى فأخرج من النعيم إلى النكد . ( قريسيات ) : أقر بالذنب ، فأمن العقوبة .

أخبرنا عبد بن أحمد الهروي في كتابه قال : نا عمر بن أحمد بن شاهين ، قال : نا موسى بن عبيد الله ، قال : نا عبد الله بن أبي سعيد ، قال : نا محمد بن حميد ، قال : نا سلمة بن الفضل ، قال : نا أبو عبد الله البجلي قال : ( أبو جاد ) ، و ( هواز ) ، و ( حطي ) ، و ( كلمن ) ، و ( صعفض ) ، و ( قريسيات ) أسماء [ ص: 34 ] ملوك مدين ، وكان ملكهم يوم الظلة ، في زمان شعيب ، كلمون .

قال أبو عمرو : وذكر بعض النحويين أن قولهم : ( أبو جاد ) ، و ( هواز ) ، و ( حطي ) عربية ، وهي تجري مجرى زيد وعمرو في الانصراف . و ( كلمن ) ، و ( صعفض ) ، و ( قريسيات ) أعجمية لا ينصرفن ، إلا أن ( قريسيات ) تصرف كعرفات وأذرعات .

وقال قطرب : إنما كتبوا ( أبجد ) بلا ألف ولا واو ؛ لأن هذا إنما وضع في الكتاب لدلالة المتعلم على الحروف ، فكرهوا أن يطولوا عليه ، فلم يعيدوا المثال مرتين ، فكتبوا ( أبجد ) بلا واو ولا ألف ؛ لأن معنى الألف في ( أبجد ) ، والواو في ( هوز ) قد أثبت ، فوضحت صورتهما . وكلما مثل الحرف مرة استغني عن إعادته . وإنما أثبتت ياء ( حطي ) مع ياء ( قريسيات ) لاختلاف الصورتين ، يعني صورتها في الطرف ، وصورتها في غيره . وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية