مباحث في علوم القرآن

مناع القطان - مناع خليل القطان

صفحة جزء
[ ص: 65 ] " آخر آية نزلت آية الربا " والمراد بها قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا .

2- وقيل : آخر ما نزل من القرآن قوله تعالى : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله . . . الآية ، لما رواه النسائي وغيره عن ابن عباس وسعيد بن جبير : " آخر شيء نزل من القرآن : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله . . . الآية .

3- وقيل : آخر ما نزل آية الدين ، لما روي عن سعيد بن المسيب : " أنه بلغه أن أحدث القرآن عهدا بالعرش آية الدين " والمراد بها : يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه . . . الآية .

ويجمع بين الروايات الثلاث بأن هذه الآيات نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف ، آية الربا ، فآية واتقوا يوما فآية الدين ، لأنها في قصة واحدة . فأخبر كل راو عن بعض ما نزل بأنه آخر ، وذلك صحيح ، وبهذا لا يقع التنافر بينها .

4- وقيل : آخر ما نزل آية الكلالة . فقد روى الشيخان عن البراء بن عازب قال : آخر آية نزلت : يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة . . . الآية ، وحملت الآخرية هنا في قول البراء على أنها مقيدة بما يتعلق بالمواريث .

5- وقيل : آخر ما نزل قوله تعالى : لقد جاءكم رسول من أنفسكم . . . إلى آخر السورة . ففي المستدرك عن أبي بن كعب قال : آخر آية نزلت : لقد جاءكم رسول من أنفسكم . . . إلى آخر السورة ، وحمل هذا على أنها آخر ما نزل من سورة " براءة " .

ففيما رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند عن أبي بن كعب أن رسول [ ص: 66 ] الله -صلى الله عليه وسلم- أقرأه هاتين الآيتين : لقد جاءكم رسول من أنفسكم . . . إلى قوله : وهو رب العرش العظيم في آخر سورة براءة .

6- وقيل : آخر ما نزل سورة المائدة ، لما رواه الترمذي والحاكم في ذلك عن عائشة -رضي الله عنها- وأجيب بأن المراد أنها آخر سورة نزلت في الحلال والحرام ، فلم تنسخ فيها أحكام .

7- وقيل : آخر ما نزل قوله تعالى : فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض . . لما أخرجه ابن مردويه من طريق مجاهد عن أم سلمة أنها قالت : " آخر آية نزلت هذه الآية : فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم . . . إلى آخرها ، وذلك أنها قالت : يا رسول الله . . أرى الله يذكر الرجال ولا يذكر النساء فنزلت : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، ونزلت : إن المسلمين والمسلمات ، ونزلت هذه الآية ، فهي آخر الثلاثة نزولا ، وآخر ما نزل بعد ما كان ينزل في الرجال خاصة " .

ويتضح من الرواية أن الآية المذكورة آخر الآيات الثلاث نزولا ، وأنها آخر ما نزل بالنسبة إلى ما ذكر فيه النساء .

8- وقيل : آخر ما نزل آية : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما . . لما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس قال : هذه الآية : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم هي آخر ما نزل وما نسخها شيء . والتعبير بقوله : " وما نسخها شيء " يدل على أنها آخر ما نزل في حكم قتل المؤمن عمدا .

9- وأخرج مسلم عن ابن عباس قال : " آخر سورة نزلت : إذا جاء نصر الله والفتح " ، وحمل ذلك على أن هذه السورة آخر ما نزل مشعرا بوفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما فهم بعض الصحابة ، أو أنها آخر ما نزل من السور .

[ ص: 67 ] وهذه الأقوال ليس فيها شيء مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وكل قال بضرب من الاجتهاد وغلبة الظن ، ويحتمل أن كلا منهم أخبر عن آخر ما سمعه من الرسول ، أو قال ذلك باعتبار آخر ما نزل في تشريع خاص ، أو آخر سورة نزلت كاملة على النحو الذي خرجنا به كل قول منها .

أما قوله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ، فإنها نزلت بعرفة عام حجة الوداع ، ويدل ظاهرها على إكمال الفرائض والأحكام ، وقد سبقت الإشارة إلى ما روي في نزول آية الربا ، وآية الدين ، وآية الكلالة ، وغيرها بعد ذلك . لذا حمل كثير من العلماء إكمال الدين في هذه الآية على أن الله أتم عليهم نعمته بتمكينهم من البلد الحرام ، وإجلاء المشركين عنه ، وحجهم وحدهم دون أن يشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين ، وقد كان المشركون يحجون معهم من قبل وذلك من تمام النعمة : " وأتممت عليكم نعمتي " قال القاضي أبو بكر الباقلاني في " الانتصار " معلقا على اختلاف الروايات في آخر ما نزل : " هذه الأقوال ليس فيها شيء مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويجوز أن يكون قاله قائله بضرب من الاجتهاد وغلبة الظن ، ويحتمل أن كلا منهم أخبر عن آخر ما سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- في اليوم الذي مات فيه أو قبل مرضه بقليل ، وغيره سمع منه بعد ذلك وإن لم يسمعه هو ، ويحتمل أيضا أن تنزل هذه الآية التي هي آخر آية تلاها الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع آيات نزلت معها فيؤمر برسم ما نزل معها بعد رسم تلك ، فيظن أنه آخر ما نزل في الترتيب “ . "

التالي السابق


الخدمات العلمية